Herelllllan
herelllllan2

هل انتهى عصر حاملات الطائرات؟

يمانيون – متابعات
كان غرق الطراد الروسي موسكفا ضربة قاسية ليس فقط لموسكو، ولكن لرمز قوة البحرية الغربية أيضاً، فهل يشهد العالم نهاية عصر حاملات الطائرات؟

مجلة Vanity Fair الأمريكية رصدت القصة في تقرير لها بعنوان “تطفو بلا جدوى”، ألقى الضوء على التكلفة الهائلة لحاملات الطائرات وضعفها الواضح أمام الصواريخ التي لا تتكلف كثيراً، ما قد يشير إلى قرب انتهاء عصر تلك المدن العسكرية التي تجوب أعالي البحار.

وكانت مجلة The National Interest الأمريكية قد نشرت قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا تقريراً عسكرياً، عنوانه “هل تستطيع صواريخ كورنت الروسية هزيمة حاملات الطائرات الأمريكية؟”، رصد مميزات الصواريخ ومدى قدرتها على إلحاق أضرار مؤثرة في حاملات الطائرات.

لكن في 14 أبريل/نيسان، وباستخدام صاروخين جوالين من طراز نبتون أُطلقا من البر، وكلاهما بتقنية منخفضة نسبياً، نجحت القوات الأوكرانية في إحداث ثقبين كبيرين في جانب طراد الصواريخ الروسي الثقيل موسكفا، وهي السفينة الرئيسية لأسطول البحر الأسود الخاص بموسكو. وكما لو أنها سهامُ تفرقع بالوناً، أرسل الصاروخان فخر البحرية الروسية إلى قاع البحر.

لماذا ليس من السهل إغراق حاملات الطائرات؟

ليس هناك مشهد أكثر سحراً وإبهاراً وشراسةً من سفينة ضخمة رمادية ومتخمة بالأسلحة، ومصحوبة بمركبات لا تقل قوة عنها ضمن أسطول بحري يشق أمواج أعالي البحار. وتلك هي الصورة التي تعبر عن القوة التي لا تُقهر، والتي تحرص القوات البحرية حول العالم على جمعها ضمن أساطيلها، والموصوف هنا هو تلك المدن الهائلة التي تشق البحار وتسمى بحاملات الطائرات.

لكن في أعقاب غرق موسكفا سرت قشعريرة يمكن استشعارها، ليس فقط عبر أرجاء الكرملين، بل امتدت وطالت مجتمع شؤون البحرية الغربي، بداية من المحللين ووصولاً إلى الأدميرالات. إذ إن السفن الكبيرة، بما في ذلك سفن روسيا، تحمل على ظهرها ترسانة من منظومات الدفاع عالية التقنية للتصدي للصواريخ والقنابل والطوربيدات والهجمات السيبرانية، فتحرسها سفن حربية أصغر، وأنظمة مراقبة، وطائرات مقاتلة، وأقمار صناعية للتتبع، وغواصات، وجميعها تُستخدم بغرض وحيد يتمثل في حماية السفينة الأم من هذا النوع من الهجمات.

وبرغم ذلك، غرقت السفينة التي تبلغ قيمتها حوالي ثلاثة أرباع مليار دولار، كانت موسكفا أكبر وأقوى سفينة تُفقد خلال معركة في أي ساحة مواجهة على مدى السنوات الأربعين الماضية.

لكن الأدميرال الأمريكي المتقاعد جيمس ستافريديس، القائد الأعلى السابق لقوات حلف الناتو، حذر في مقاله المنشور بوكالة Bloomberg من أن القوات الغربية لا ينبغي لها أن تفرح بشدة. برغم أنه وصف غرق السفينة بالضربة القوية في وجه البحرية الروسية والنصر الكبير للقوات الأوكرانية، ادعى ستافريديس أن الأمر بمثابة “تذكير صارخ بمدى ضعف سفن السطح -بما في ذلك حاملات الطائرات التي تحتل مكانة القلب بالنسبة للبحرية الأمريكية- أمام عددٍ من صواريخ كروز المتطورة تكنولوجياً وذات التكلفة المنخفضة نسبياً.

وتعجّ شواطئ دول العالم بمثل هذه الصواريخ المدمرة للسفن، فهل هناك خطر تواجهه السفن الأمريكية أو سفن الحلفاء، وعلى رأسها وأشدها تسبباً في إثارة القلق حاملات الطائرات الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية، والتي يبلغ عددها 11 حاملة (فضلاً عن وجود حاملة أخرى سوف تنضم إليها)، التي تقارب تكلفة كل منها 11 مليار دولار حتى قبل أن تنطلق في البحر.

الصين تحديداً يمكنها إغراق حاملات الطائرات

يسلط ذلك القلقُ الضوءَ بصفةٍ خاصةٍ على القدرات الصينية في تدمير السفن، التي تعد أكثر تطوراً بكثير من أي شيء استخدمته أوكرانيا لتدمير السفينة موسكفا. كانت الصين تشيِّد على مدى العقدين الماضيين دفاعاتها البحرية. إنها تحوز الآن ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز البرية والبحرية والجوية التي تستهدف السفن.

في ضربة واحدة، تستطيع الصين إطلاق أسراب من مئات الصواريخ المتطورة الأسرع من الصوت، التي تسافر بسرعةٍ أسرع من أضعاف سرعة الصوت وعلى مدى آلاف الأميال. في الوقت الراهن يعتقد كثير من المحللين أن حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الكبيرة الأخرى التي تؤدي مهامها في سواحل بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، لن تصمد أمام هجوم مثل هذا.

يقول المخططون العسكريون الصينيون إن العامل الرئيسي في نجاح الصين يكمن في أوجه الضعف التي تعتري حاملات الطائرات الأمريكية. ففي خطاب نُشر على نطاق واسع في 20 ديسمبر/كانون الأول 2018، وضع اللواء المتقاعد في جيش التحرير الشعبي الصيني، لو يوان، استراتيجية حرب معقولة للتعامل مع الخصم الأمريكي، الذي وصفه بأنه “نمرٌ من ورق”.

وتحدثت سارة كيرشبيرجر، رئيسة مركز استراتيجية وأمن آسيا والمحيط الهادئ بمعهد السياسة الأمنية في جامعة كيل، عن سيناريو وصفته بأنه النسخة الثانية من هجوم بيرل هاربر، دعا فيه لو، وهو نائب أمين عام أكاديمية جيش التحرير الشعبي الصيني للعلوم العسكرية، لإحداث “خرق” في مواطن قوة الولايات المتحدة عن طريق تنفيذ ضربة استباقية، وتحديداً ضد حاملات الطائرات الأمريكية. وفي واقع الأمر تدربت الصين على تصويب صواريخها المضادة للطائرات نحو نماذج تحاكي حاملات الطائرات.

شرح لو ما يعتقد أنه سوف يحدث: “تخبرنا التجربة التاريخية أن أكثر ما تخشاه الولايات المتحدة هو خسارة الأرواح… إذا أغرقنا واحدة من حاملاتها سوف يسبب هذا خسائر في الأرواح تساوي 5000 فرد، وإذا أغرقنا اثنتين سوف تكون الخسائر 10 آلاف فرد… ألا تعتقدون أن أمريكا ستصير خائفة؟” وأشار ضمنياً إلى احتمالية انسحاب أمريكا بعد مثل هذه الخسارة.

تقول سارة، وهي خبيرة في القوات الدفاعية البحرية للصين، إن المنظومات الدفاعية الخاصة بالسفن الأمريكية لا تقدر في الوقت الراهن على الأرجح أن تتصدى لهجوم من أسراب الصواريخ الأسرع من الصوت.

هل فقدت أمريكا الأفضلية في البحار؟

تعلم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ذلك الأمر. وبالفعل فشلت القوات الأمريكية “فشلاً ذريعاً” في محاكاة المعركة ضد الصين، التي نفذتها في العام الماضي.

قال أستاذ جامعي متخصص في الحرب البحرية لمجلة فانيتي فير، طلب عدم ذكر اسمه: “جعل الصينيون العمليات في غرب المحيط الهادئ مكاناً خطيراً من خلال مجموعة الأسلحة المتطورة التي يستطيعون تسخيرها”.

لكن ضباط البحرية الأمريكية في الخدمة الفعلية يختلفون بشدة مع الفكرة التي تقول إن سفنهم سوف تُصعق بصاروخ أو أي اعتداء آخر. بحسب موقع Business Insider، قال الكابتن بول كامبانا، الضابط القائد المسؤول عن حاملة الطائرات يو إس إس دوايت أيزنهاور، في 5 أبريل/نيسان، خلال مؤتمر دفاعي رئيسي بالقرب من واشنطن العاصمة: “لكل شخص يشعر بالقلق من التهديد الحديث في الخارج، سوف أقول فحسب إن الحاملة ليست على جزيرة… إنها تُنشر مع جناح جوي. إنها تنشر مع مجموعة الهجوم. إنها تُنشر مع دفاع متعدد الطبقات يبدأ من قاع المحيط وينتهي في الفضاء، وأي شخص يظن أننا أقداح شاي صغيرة هشة في البحر أو شيء من هذا القبيل هو شخص مخطئ للغاية”.

ربما هي ليست “أقداح شاي صغيرة هشة” تنتظر عدواً ليحطمها إلى قطع صغيرة، ولكن بعد أقل من عشرة أيام أغرق صاروخان صغيران السفينة موسكفا.

منذ الحرب العالمية الثانية، أدخلت القوات البحرية لدول العالم تطورات تكنولوجية وهندسية هائلة. وفي يومنا الحالي تعد حاملات الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية معجزات بحرية: فهي تنقل محطة جوية بحرية، وطيارين، ووقوداً، وقطع غيار، ووسائل اتصال، وكل شيء تحتاجه لإسقاط القوة الجوية من مياه البحار التي تغطي 71% من الكوكب.

تنشر الولايات المتحدة عادةً في كل الأوقات من حاملة إلى حاملتين في المحيط الهادئ، ونفس العدد في المحيط الهندي وبحر العرب، وواحدة في البحر الأبيض المتوسط، بينما تنتقل أخرى، وتخضع بقية الحاملات لإصلاحات على الشاطئ وتجهيزات من أجل إعدادها.

لا تقتصر وظيفة هذه الحاملات على خوض الحروب، بل إنها تمتد لتجسد ما يصفه أستاذ جامعي متخصص في الحرب البحرية بـ”القطع القيمة على رقعة الشطرنج الاستراتيجية”. إذ يصفها البعض بـ”دبلوماسية الحاملات”، إنها استعراض للقوة الأمريكية العالمية. في غضون 72 ساعة تستطيع الولايات المتحدة إيصال حاملة طائرات إلى أي نقطة أزمة ساخنة في أي مكان في العالم.

هل انتهى عصر حاملات الطائرات؟

لكن ضباط البحرية والطيارين البحريين السابقين يرون أن “نزوع الولايات المتحدة نحو دبلوماسية الحاملات التي عفا عليها الزمن تجسد عائقاً استراتيجياً في أي بيئة حرب ضد المنافسين (مثل الصين وروسيا). صحيحٌ أن المنظومات الدفاعية للسفن الأمريكية أقوى بكثير وأكثر قدرة من طرادٍ سلافي [مثل موسكفا]، لكن تظل السفن الأمريكية أيضاً ضعيفة، ولا سيما الحاملات”.

يقول مارك ورتمان، كاتب هذا المقال، وهو مؤرخ وصحفي أمريكي، إنه تلقى تعليقاً مشككاً بشأن أحدث حاملتي طائرات في البحرية الملكية البريطانية من الأستاذ الفخري المتخصص في السياسات الدولية بجامعة أبريستويث في ويلز، مارتن ألكسندر، الذي يدرس التخطيط العسكري، قال فيه: “هل هي سفن تطفو بلا جدوى تتكلف 12 مليار جنيه إسترليني؟ أم أن جميع الحاملات ليست إلا قطع شطرنج للنفوذ الدبلوماسي؟” إنه يرى أن الإجابة واضحة: تلك أموال طائلة لاستعراض القوة البحرية التي قد تثبت أنها ذات قيمة قليلة في أي حرب مع أي قوة عظمى معادية.

برغم قلقه من قدرة الحاملات على النجاة في أي قتال، لا يوافق كلياً الأدميرال ستافريديس على مثل هذه التقييمات. فقد كتب روايةً بالتعاون مع المحارب القديم في سلاح مشاة البحرية والمؤلف إليوت أكرمان، اعتمدت على استقراء طموح الصين للسيطرة على مياه بحر الصين الجنوبي، ما يؤدى إلى حرب عالمية ثالثة باستخدام محدود للأسلحة النووية من كلتا القوتين العظميين.

وبسؤاله عن آرائه حول عدم جدوى هذه الوحوش البحرية، قال: “الحاملات الأمريكية ضعيفة بطريقة ما، لكننا نملك كثيراً من منظومات الدفاع البارعة المتاحة”. وأوضح قائلاً إننا من الناحية التكتيكية “لا نستطيع وضع كل الرهان على حاملات الطائرات، لكنها تبقى قوة هجومية فعالة بجانب منظومات الدفاع والهجوم الجديدة. إذا وُظفت توظيفاً جيداً فإنها تستطيع إلحاق أضرار هائلة بأي عدو في البحر أو في قواعده المتمركزة على الشواطئ”، لكن هذا قد يحدث إذا نجت هذه الحاملات لوقت كافٍ.

يعود الجدال حول قيمة حاملات الطائرات تقريباً إلى بداياتها، وحتى الآن ينتصر في هذا الجدال عادةً المدافعون عن هذه السفن الكبيرة، لكن هذه الاستعراضات الدبلوماسية باهظة الثمن ربما تكون ذات قدرة تَحَمُّل محدودة في أوقات الحرب. وفي واقع الأمر قد يحدث تصعيدٌ جراء إلحاق ضرر بهذا الفخر عند فقدان إحدى الحاملات، بل ويحتمل أن يصل التصعيد إلى حرب نووية.

من بين الخدمات الهائلة التي قدمها الأوكرانيون للعالم في دفاعهم البطولي ضد الهجوم الروسي، توضيح أن حتى أعتى القوى العظمى سوف تتكبد كلفة باهظة، ربما لا يمكن تحملها إذا حاولت غزو بلد أصغر. تقول سارة كيرشبيرجر، خبيرة الشؤون البحرية الصينية “على المدى القصير، أعتقد أن خطر شن هجوم عسكري ضد تايوان انخفض تقريباً بدرجة ما، بسبب الارتباك والذعر في بكين من إخفاقات الجيش الروسي في أوكرانيا، لكن ذلك لا يدل على شيء متعلق بالمدى الأطول”، فالخطر لا يزال قائماً.

وتضيف: “وفقاً لما أشار إليه المحللون يعد عقد العشرينيات الحالي الأشد خطورة على الأرجح بالنسبة لتايوان، لأنه بعد عام 2030 يمكن توقع أن المشكلات الداخلية للصين، المتمثلة في التركيبة السكانية المشوهة، وتباطؤ النمو الاقتصادي سوف تبرز في نهاية المطاف، وتصعب المغامرة العسكرية. بعبارة أخرى، نحتاج أن نكون حذرين للغاية خلال 5 إلى 8 سنوات قادمة على وجه الخصوص، وألا نتغاضى عن التحذيرات المبكرة للهجمات الوشيكة، سواء كانت علنية أو خفية”. وخلال العقد القادم، إذا كانت أمريكا ستوقف أي هجمة صينية، فإنها ليست في حاجة إلى إرسال مزيد من الأهداف إلى البحر، بل إنها في حاجة إلى نشر أسلحة قادرة على رصد قوة الغزو وإيقافها.

تشير الأدلة الواقعية إلى أن الدول، ولا سيما الولايات المتحدة، تواصل إنفاق أموال طائلة على هذه السفن الضخمة، التي تستهدف استعراض القوة، والتي لن تنجو أمام أول هجوم. وفي حين أن المصير النهائي لتايوان يبدو معلقاً، حان الوقت لتنحية الفخر وتركيز الحرب البحرية على السفن والغواصات وأنظمة السلاح والمراقبة، التي لن يكون مصيرها في النهاية في قاع المحيط عندما تبدأ الحرب. تبدو السفن العظيمة ساحرة ومذهلة على سطح البحر، ولكن عندما تغرق فلن تكون إلا غروراً غارقاً مُرصعاً بالأسماك والكائنات البحرية التي سوف تسكنها في الأعماق.

*المصدر: عربي بوست

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com