Herelllllan
herelllllan2

خيبة أمل المرتزقة

يمانيون/ كتابات/ عبدالرحمن مراد

 

منذ منتصف مارس 2025م وحتى السابع من مايو 2025م، مضت شهران إلا نيف واليمن تواجه أكبر قوة عسكرية وفق فقه العالم المعاصر، تضافرت معها قوتان هما بريطانيا وإسرائيل واليمن كبلد فقير محاصر برا وجوا وبحرا وكان يخوض حربا ضروسا مع تحالف عربي ظل مشتعل الأوار على مدى تسعة أعوام، هذا التحالف كانت تقف من ورائه أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وفي كلا الحالتين يخرج اليمن أكثر إصرارا وصمودا وأقوى شكيمة، لم تستطع أسلحة العالم المعاصر أن تخضعه لغاياتها وأهدافها.

ليس في الأمر ما يمكن استغرابه، فاليمن ظل على مدى تاريخه الممتد إلى الماضي السحيق، عصيا على إرادات الاستعمار منذ أكلت رمال صحراء صيهد حوافر خيل الرومان إلى الزمن الذي نعيش الذي شاهدنا أفتك أسلحة العالم المعاصر تقف عاجزة أمام صلابة الموقف والإرادة اليمنية في فرض ثنائية الخضوع والهيمنة على اليمن الذي شهدت سهوله ووهاده وهضابه وجباله حركة التاريخ الثقافي والحضاري في القديم وما يزال يقف كطود شامخ أمام كل حركة تاريخية تريد أن تثنيه عن مساره الحضاري والتاريخي.

وحين جاءت الرسالة السماوية إلى النبي العربي الأمي كان اليمن هو حامل رايتها وبشر بها العالم فاتحا وهاديا وما يزال وفيا لهذه الراية حين خذلها العرب من حوله وفرشوا جفونهم لجيوش الغزو من الشرق ومن الغرب وخضعوا وذلوا بعد أن كانت عزتهم في الإسلام.

مثل هذه الحقائق قد يجهلها ساسة الغرب من أولئك الذين يخوضون حربهم لتحقيق مصالح اقتصادية أو لإحداث توازن في حركة المصالح الدولية، لكن من المعيب أن يجهلها أهل اليمن من الذين غرهم في الله الغرور فأصبحوا عبارة عن دمى تحركها الدول الإقليمية والدولية فوقفوا على قارعة الطريق ينتظرون سقوط صنعاء بعد أن أعلنت أمريكا الحرب على بلدهم فباركوا الخطوات واعتبروها تطورا مهما قد يعجل بعودتهم إلى صنعاء، والثابت في قانون التاريخ اليمني أن من تقذفه صنعاء إلى خارج أسوارها لا يعود اليها أبدا ومن عاد يجد نفسه ذميما مدحورا فما يلبث إلا قليلا حتى يغادر صنعاء، ولعل أقرب مثال ما حدث في عقد السبعينيات من القرن العشرين لو أمعنوا النظر في الذين وضعوا أيديهم في يد المستعمر البريطاني الذي أغدق عليهم بجنيهات الذهب عن طريق واجهته في المنطقة والخليج العربي وهي السعودية، لقد تفرقت بهم السبل ولم يلبثوا في صنعاء إلا قليلا حتى كانوا خارج أسوارها الكريمة، وفي التاريخ عبر شتى ودروس لكن الذين امتهنوا الغرور لا يفقهون من القول إلا قليلا .

حين أعلنت أمريكا وقف عدوانها على اليمن بكى أولئك الناس بكاء شديدا وطفح بهم الكيل حتى لم يستطيعوا كتمانه فرأينا لهم تغريدات ومنشورات وفيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي تندب حظهم وتعبر عن خيبة أملهم التي كانوا يتوقعونها، فقد حلموا أن تحملهم قنابل أمريكا الارتجاجية على أجنحة اليمام حتى تهبط بهم في أزقة صنعاء وحواريها، وكاد بعضهم أن يرسم السيناريوهات ويسقط ما حدث في سوريا من سحل وقتل وتدمير ومن إبعاد وتشهير وتفاخر على صنعاء وعلى أهلها، لكن الله كان لهم بالمرصاد إذ خيب آمالهم وجعلهم ضحايا حسرتهم ومشاعرهم السلبية، كيف لا وقد كانوا فرحين مستبشرين وهم يشاهدون مقدرات اليمن تحرقها القنابل والصواريخ وكانوا يرون أشلاء الضحايا من المدنيين العزل تتناثر على أرصفة الشوارع وهم يرون أن الأمريكان والصهاينة بذلك يحسنون صنعاً، ما عدا قلة قليلة أنكروا على أمريكا ذلك القتل والدمار في اليمن ممن ما تزال ضمائرهم تنبض بالحياة وتفرق بين الحق والباطل .

الاختلاف طبيعة بشرية والتعدد في الرأي حق لا ننكره على أي أحد لكن في إطار دفع المفاسد والاحتكام إلى الحق، أما في جلب المفاسد وتعطيل حياة البشر، وإزهاق الأرواح التي حرمها الله إلا بالحق، وفي تدمير مقدرات الأمة فذلك باطل لا تقره الشرائع السماوية ولا النظريات الأخلاقية ولا أي آيديولوجيا سياسية مرت في تاريخ البشر منذ آدم إلى اليوم، ومن يضع نفسه في موضع الباطل الذي تجرمه الشرائع والنظريات والآيديولوجيات والقوانين البشرية فقد تجرد من كل خصائص البشر وتجرد من الإنسانية ووضع نفسه في مراتب الكائنات الحيوانية التي تدفعها غرائز البقاء على تدمير حياة المماثل لها فتقتله أو تأكله، وقد يستغرب المرء كيف لإنسان وضعه الله في مقام السؤال والمسؤولية أن يفرح بما يحدث لبلاده وأهله من دمار وقتل ومن فناء وحرق وحصار وجوع، وهو يرى ذلك عقابا مستحقا لا لشيء إلا لكونه لم يحقق له غاياته وأهدافه في السلطة والثروة والمجد والسؤدد، ومن وجد نفسه في هذا المقام فليراجع نفسه فقد لا يدرك أنه في مقام الباطل من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم .

لقد قلت في يوميات الأسبوع المنصرم – في هذه المساحة نفسها والتي بعنوان ” أمريكا وحركة تغيير الموازين العالمية “- أن أمريكا تعمل لمصالحها ولا تدعم خيارات السلام في أي بلد ولن تحمل المرتزقة إلى صنعاء، ولا خيار للمرتزقة سوى الحوار وترتيب البيت اليمني بعيدا عن أجندات الخارج وسياساته، ومثل هذا التوجه قابل للتحقق إذا صلحت النوايا وأخلص الناس للقضايا الوطنية والقومية وعادوا إلى الحق وابتعدوا عن الباطل الذي يورد المهالك.

فاليوم تلوح أمامنا فرصة تاريخية للتصالح وتغليب مصالح اليمن على المصالح الذاتية والحزبية .. فهل تملك القوى الوطنية التي تتنازع الجرأة على إعلان تاريخي يحفظ لليمن حريته وكرامته وسيادته على كامل أراضيه وحقه في تقرير مصيره؟ نأمل أن يستشعر الكل مسؤوليته التاريخية أمام اليمن ووحدته وحريته وكرامته وسيادته .. وكفى ما قد مضى من الغي والخذلان.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com