Herelllllan
herelllllan2

سوريا إلى الحضن الصهيوأمريكي .. التطبيع على أنقاض السيادة

في مشهد سياسي يعكس تحولاً دراماتيكياً في تعاطي القوى الدولية والإقليمية مع الملف السوري، أعلنت الولايات المتحدة قراراً مثيراً للجدل بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، لا سيما تلك التي كانت مشمولة ضمن ’’قانون قيصر’’، هذه الخطوة، التي جاءت من دون إعلان رسمي عن تفاهمات سياسية شاملة، فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات جوهرية حول دلالاتها وتوقيتها، خصوصاً في ظل تزايد الأنباء عن تفاهمات أمنية إسرائيلية – سورية غير معلنة، وتبدلات صادمة في التحالفات الإقليمية.

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

ما يضفي بعداً أكثر إثارة على هذه التحولات، هو ظهور صورة جماعية مؤخراً جمعت عدداً من رؤساء وملوك الشرق الأوسط، ممن انخرطوا في مسار التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وقد ضمت أيضاً صورة لزعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، رئيس النظام السوري الجديد ، الذي بات يظهر بربطة عنق، وبلغة سياسية تصالحية، في ما اعتبره البعض إعادة تهيئة للفاعلين المسلحين على الأرض تمهيداً لإعادة دمجهم ضمن ترتيبات إقليمية جديدة.

يتناول هذا التقرير الأبعاد الاستراتيجية للقرار الأمريكي، وانعكاساته المتوقعة على المشهد السوري، بدءاً من دلالات التحول في الموقف الأمريكي تجاه دمشق، وصولاً إلى علاقة القرار بالتوغل الإسرائيلي في العمق السوري، والتأثيرات المحتملة على وحدة الأراضي السورية، وموقف القوى العربية والإقليمية من هذا المسار.

كما يستعرض التقرير الخلفية السياسية للقرار الأمريكي، ويضعه في سياق التقاطعات المعقدة بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية والتركية والإيرانية في سوريا، إلى جانب رصد ردود الفعل الإقليمية، لا سيما في ضوء المساعي العربية لإعادة سوريا إلى الحظيرة الدبلوماسية العربية، وإن كان بشروط سياسية وأمنية واضحة.

إن أهمية هذا التقرير لا تنبع فقط من توقيت القرار الأمريكي، بل من حجم التبعات الجيوسياسية التي قد تترتب عليه، في منطقة مشتعلة بسبب طموحات توسع الأطماع الصهيونية والأمريكية ، وانعدام اليقين بشأن مستقبل سوريا كدولة موحدة، مقابل مشهد متسارع يعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات على أرض الصراع السوري.

 

تحول أمريكي لافت في الموقف من دمشق

يقرأ مراقبون القرار الأمريكي  أنه خطوة يمثل انتقالاً إلى سياسة أكثر واقعية، تركز على تحقيق استقرار نسبي في سوريا بدلاً من الدفع باتجاه تغيير النظام.

ويرى البعض أن هذه الخطوة تأتي في إطار محاولة واشنطن قطع طريق النفوذ الإيراني داخل سوريا، وإعادة تدوير العلاقات مع دمشق بما يخدم أولويات المصالج الأمريكية  والصهيونية في الإقليم.

توغل العدو الإسرائيلي في المشهد السوري: علاقة غير معلنة؟

القرار الأمريكي، وإن لم يرتبط رسمياً بالاحتلال الإسرائيلي، إلا أن توقيته يثير تساؤلات حول العلاقة بين رفع العقوبات وتوسّع هجمات العدو الصهيوني داخل الأراضي السورية، والتي استمرت لسنوات لتستهدف بشكل رئيسي الوجود الإيراني ومواقع تابعة لحزب الله.

مصادر دبلوماسية توقعت أن تكون هذه الخطوة جزءاً من تفاهمات غير معلنة بين واشنطن وتل أبيب، هدفها ’’إيران’’ مقابل غضّ الطرف عن بقاء النظام السوري، وتوفير حرية حركة أكبر للعدو الإسرائيلي في الجنوب السوري.

مخاوف من تهديد وحدة الأراضي السورية

في الداخل السوري، يثير القرار الأمريكي مخاوف من انعكاسات سلبية على وحدة سوريا ، لا سيما في ظل وجود قوى محلية تتصرف كسلطات أمر واقع، سواء في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، أو في إدلب الخاضعة لفصائل معارضة مدعومة من أنقرة.

ويحذر محللون من أن رفع العقوبات دون ربطه بخطة سياسية شاملة قد يؤدي إلى تعزيز النزعات الانفصالية، وتكريس حالة “الفيدرالية غير المعلنة” التي باتت أمراً واقعاً في عدة مناطق سورية.

الرد العربي والإقليمي: ترحيب حذر وتوازنات دقيقة

على المستوى العربي، يُنظر إلى القرار الأمريكي كمؤشر يفتح الباب أمام مزيد من الانفتاح على سوريا من قبل دول الخليج والدول العربية التي سبق أن اتخذت خطوات في هذا الاتجاه، انتهت بدخول  كبير جداً للسعودية في المشهد السوري بدور الوسيط بين النظام الجديد والولايات المتحدة

إقليمياً، يضع هذا التحول الولايات المتحدة في موقع أكثر مرونة في تعاملها مع تركيا وروسيا على وجه التحديد التي تتشبث بنفوذها في سوريا وتشكل حجر عثرة أمام التواجد الأمريكي وبطبيعة الحال أمام الاحتلال الإسرائيلي ، الذي يرى أن نفوذه في سوريا سيحقق له قطع صلة إيران بسوريا من جهة ولبنان من جهة أخرى ، لتكون الطريق سالكه أمام مشروعه الاستعماري التوسعي.

انعكاسات القرار على الصراع بين إيران  والعدو الصهيوني في سوريا

يرى محللون أن القرار الأمريكي بإلغاء العقوبات على سوريا لا يمكن فصله عن معادلة الصراع بين إيران  والعدو الصهيوني التي يصور العدو والولايات المتحدة أنها ممتدة داخل الأراضي السورية، فالعدو الإسرائيلي يسعى جاهداً لمنع إيران من ترسيخ وجودها عسكرياً على مقربة من حدود مستوطناته الشمالية.

وفي هذا السياق، يُفهم القرار الأمريكي ضمن إطار إعادة ترتيب ميزان الردع داخل سوريا، بما يسمح للإحتلال الإسرائيلي بمزيد من حرية الحركة الاستخباراتية والعسكرية، من دون الاصطدام بعقبات دبلوماسية أمريكية كانت تُفرض في السابق بسبب العقوبات، إذ يُنظر إلى القرار الأمريكي كإشارة غير مباشرة بأن “الملف الإيراني” هو أولوية استراتيجية مشتركة، وأن النظام السوري الجديد أصبح حليف سيساهم في تقليص النفوذ الإيراني .

خاتمة

لا يمكن فصل القرار الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا عن السياق الأشمل لتحولات إقليمية تتسارع في المنطقة، حيث تُعيد الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي هندسة موازين القوى بما يخدم مصالحهما في المشرق العربي، فالخطوة الأمريكية تمثل، في جوهرها، أكثر من مجرد إجراء اقتصادي أو بادرة دبلوماسية، بل هي مدخل سياسي لإعادة دمج سوريا الجديدة في حظيرة النفوذ الصهيوأمريكي، تحت غطاء محاربة النفوذ الإيراني وإعادة تأهيل النظام بصفقة غير معلنة.

السكوت الأمريكي عن التصعيد الإسرائيلي داخل العمق السوري، والترويج لصورة “الجولاني العصري”، وظهور رموز التطبيع العربي في صور موحدة، جميعها إشارات إلى أن سوريا تُعاد هندستها سياسياً وأمنياً، بما يتماشى مع خريطة جديدة للشرق الأوسط لا تكون فيها دمشق خصماً استراتيجياً لتل أبيب، بل شريكاً أمنياً غير مباشر في كبح ما يُسمى “الخطر الإيراني”.

إنها مرحلة تحول إقليمي كبير، تُستخدم فيها أدوات العقوبات والتخفيف منها، ليس لتحقيق العدالة أو الحل السياسي، بل لإعادة التموضع الصهيوأمريكي داخل بنية الدولة السورية،  وعليه، فإن هذا القرار قد يكون أول الطريق في سلسلة تغييرات أعمق، ستمتد آثارها إلى ملفات الجوار، من لبنان إلى العراق، وربما إلى خارطة الصراع العربي – الإسرائيلي برمتها.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com