سياسة النكث والدمار .. كيف يحول الكيان الصهيوني كل هدنة إلى فرصة للغدر
منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر 2025، بدا أن الأمل في هدنة مستقرة يخفق بصعوبة في قطاع غزة. لكن ما لبث أن تحوّل هذا الأمل إلى هشاشة، حين جددت القوات الإسرائيلية قطاع غزة القصف الجوي والبري، ما شكّل خرقاً مباشراً للاتفاق وأعاد المشهد إلى مربع العنف. التقرير التالي يستعرض هذه التطورات ،
يمانيون / تقرير / خاص
لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في غزة سوى فصلٍ جديد من مسرحيةٍ قديمةٍ باتت معروفة النهايات.
فمنذ اللحظة الأولى لإعلان التهدئة في أكتوبر 2025، لم يصدّق الفلسطينيون أنّ الغارات ستصمت طويلاً، كان المشهد في غزة يحمل مزيجاً من الترقّب والريبة، كأنّ الجميع يعلم أن الهدوء ما هو إلا استراحة قصيرة تسبق الإعصار.
وكما في كل مرة، لم يخلف العدو الإسرائيلي عادته، فما إن هدأت الأصوات حتى دوّت مجدداً أصوات الانفجارات، لتعلن أن وقف إطلاق النار قد تحوّل في عرف الصهاينة إلى مجرد ورقة بلا قيمة.
كان المنطق أنه بمجرد وقف إطلاق النار، تتجه غزة نحو ترتيب أوضاعها الإنسانية، والخروج من الخطر اليومي، مع فتح ممرّات للمساعدات، وبدء خطوات لإعادة الإعمار وإعادة الحياة إلى مسارٍ شبه طبيعي.
تصعيد مفاجئ وكسر للهدنة
توالت الأخبار من غزة تباعاً، عشرات الغارات الجوية في ليلة واحدة، سقط خلالها أكثر من 100 شهيد، غالبيتهم من النساء والأطفال، وعشرات الخروقات الموثقة منذ توقيع الهدنة، 47 خرقاً في أسبوعين فقط بحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة.
وإغلاق المعابر ووقف دخول المساعدات الإنسانية بذريعة أسباب أمنية، في حين كانت القنابل تنهمر على أحياء الشجاعية وخان يونس ورفح.
لم تكن هذه الحوادث استثناءً، بل استمراراً لنمط متجذر في سلوك العدو الإسرائيلي، نكث العهد بعد توقيعه، وتبرير الجريمة بذرائع واهية.
كيان العدو الإسرائيلي برّر هذا التصعيد بأنها ردّ على انتهاك من طرف حركة حماس، من بينها اتهام لتأخر تسليم جثث الرهائن، وقتل جندي إسرائيلي في منطقة رفح.
الاتفاق عند العدو ليس التزاماً بل وسيلة
يرى المراقبون أنّ العدو الإسرائيلي لم يتعامل يوماً مع أي اتفاق سلام أو وقف إطلاق نار على أنه التزام ملزم، بل أداة سياسية مؤقتة لخدمة أهدافه، حين يبرم اتفاقاً، فإنما يفعل ذلك لالتقاط الأنفاس، لإعادة التموضع، ولتحسين صورته أمام الرأي العام الدولي، ثم ما يلبث أن يعود إلى ممارسة عدوانه.
وهذا النهج ليس وليد اللحظة، بل راسخ في بنيته العقائدية منذ تأسيسه، فـ النكث بالعهود جزء من الدين السياسي الذي تتبناه الحركة الصهيونية، دين قائم على الاستعلاء، والازدواجية، واستباحة الآخر باسم الأمن والحق التاريخي.
عقيدة العدو الإسرائيلي .. الغدر المتكرّر
توقيع على الورق، ووعود بفتح الممرات، ثم اغتيال أو قصف رداً على خرق مزعوم، وكأن العدو يبحث عن أي ذريعة لكسر الكلمة.
وبعدها، يبدأ مسلسل التبرير الأمني، دفاع عن النفس، عملية محدودة، ضرب أهداف إرهابية.
لكن النتائج دائماً واحدة، دماء فلسطينية جديدة، وبيوت مهدمة، ووعود دولية لا تجد من يسمعها.
وهنا تتجلى الحقيقة القاطعة، أن العدو الإسرائيلي لا يخرق الاتفاق لأنه يخطئ، بل لأنه يؤمن أن الخرق جزء من قوته، وأن الوفاء بالعهد ضعف لا يليق به.
القرآن الكريم كان صريحاً حين وصف حال العدو بأنه من ينقض العهود، فما يفعله العدو في غزة اليوم ليس سوى صورة حديثة من ذات السلوك الذي مارسه أسلافه في نقض العهود مع أنبيائهم، ومع الأمم من بعدهم.
وفي تحذير سبق الحدث ، حذّر السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي (حفظه الله) من الركون إلى أي اتفاق مع هذا الكيان، مؤكداً أنّ العدو الإسرائيلي لا يعطي أي اعتبارٍ للاتفاقات، بل يتخذها غطاءً مؤقتاً لمواصلة عدوانه، في قراءة دقيقة لتاريخٍ من الغدر والخداع، يؤكد أن من يثق بعهود الصهاينة يضع مصيره في يد من لا عهد له.
تجربة الفلسطينيين من الانتفاضة الأولى إلى العدوان الأخير، تختصر دروس سبعة عقود من الصراع، كل اتفاقٍ مع العدو مهدد بالنكث قبل أن يجفّ حبره، وكل هدنةٍ ما هي إلا فاصل زمني لإعادة العدوان بشكلٍ أوسع، وكل وعودٍ إنسانية تُستغلّ لتجميل وجهٍ لا يعرف الرحمة
هذه ليست استنتاجات عاطفية، بل حقائق ميدانية مدعومة بالأرقام والصور والدماء.
وإذا كان العالم ما يزال يراهن على حلٍ سياسي مع هذا الكيان، فإن التاريخ والقرآن والواقع جميعها تؤكد أن من ينقض العهد مرةً، سينقضه أبداً.
ختاماً
وما بين من يرى في العهد ميثاقاً مقدساً، ومن يتخذه وسيلة للخداع، تتحدد طبيعة الصراع في فلسطين.
فالعدو الإسرائيلي لا يعرف الوفاء لأنه لا يؤمن به، ولا يحترم العهود لأنها لا تخدم مشروعه الاستعماري.
ومن هنا، فإن كل اتفاق قادم ما لم يُحمَ بقوة الردع والموقف الثابت، سيكون نسخةً جديدة من خداعٍ قديمٍ لا ينتهي.
ولذلك، كما قال السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، فإن الموقف الواعي اليوم هو إدراك الحقيقة أن العدو الذي نكث عهده مع أنبيائه لن يفي بعهدٍ مع شعبٍ أعزل، ولا يُردع إلا بالموقف الصادق والقوة التي تفرض السلام لا التي تتسوّله.