نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا موسعًا كشفت فيه كواليس القرار المفاجئ الذي “اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان وقف العمليات العدوانية ضد  اليمن ، رغم عدم تحقق الأهداف العسكرية المعلنة، وفشل الحملة الجوية الأميركية في إخضاع الحوثيين أو تأمين الملاحة كما خُطط لها”.

وبحسب الصحيفة، فإن ترامب، الذي لطالما عبّر عن تحفظه تجاه التورطات العسكرية الطويلة في الشرق الأوسط، أطلق حملته الجوية ضد الحوثيين قبل نحو شهرين بهدف إعادة فتح خطوط الملاحة وتأمين السفن الحربية والتجارية الأميركية، وكان يتوقع نتائج ملموسة خلال 30 يومًا. إلا أن تقييمات القيادة العسكرية الأميركية بعد الشهر الأول أشارت إلى فشل في تحقيق التفوق الجوي، وخسائر مادية وبشرية كبيرة دون تحقيق مكاسب استراتيجية، ما دفع الرئيس إلى إصدار أوامر مفاجئة بوقف العمليات الهجومية في الخامس من مايو/أيار.

وقالت الصحيفة أن الحملة الأميركية، التي حملت اسم “عملية الفارس الخشن”، كلفت وزارة الدفاع أكثر من مليار دولار خلال الشهر الأول فقط، وشملت نشر حاملتي طائرات وقاذفات استراتيجية وطائرات متقدمة ومنظومات دفاع جوي من نوع باتريوت وثاد. ومع ذلك، استطاعت الدفاعات الجوية اليمنية إسقاط سبع طائرات بدون طيار أميركية من طراز MQ-9 Reaper، وكادت تصيب طائرات من طراز F-16 وF-35. كما سجلت خسائر غير مسبوقة بسقوط طائرتين مقاتلتين من طراز F/A-18 سوبر هورنيت من حاملة الطائرات “هاري ترومان”، ما أدى إلى إصابة عدد من الطيارين والطاقم، وأثار قلقًا كبيرًا في أوساط البنتاغون.

وأورد التقرير أن “البيت الأبيض تلقى اقتراحًا من سلطنة عُمان، عبر مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، يقضي بإيقاف الضربات الأميركية مقابل توقف الحوثيين عن استهداف السفن الأميركية فقط، دون أن يشمل الاتفاق وقف الهجمات ضد إسرائيل أو تعطيل الملاحة بشكل عام، وهو ما قُدّم للرئيس كـ”حل عملي” يحفظ ماء الوجه ويُجنب الإدارة مزيدًا من التورط في مستنقع مفتوح”.

وقال التقرير; “في تصريحات أدلى بها بعد وقف العمليات، بدا الرئيس ترامب أكثر إعجابًا بقدرات الحوثيين، حيث وصفهم بـ”المرنين الشجعان”، مشيرًا إلى أنهم “تحملوا العقاب، ووعدوا بعدم مهاجمة السفن الأميركية بعد الآن”، وهو الموقف الذي أثار دهشة المراقبين بالنظر إلى المواقف السابقة للرئيس، الذي توعد سابقًا بـ”سحق الحوثيين تمامًا”.

غير أن التطورات على الأرض كانت تسير في اتجاه مغاير للتصريحات. فقد أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا باتجاه “إسرائيل” في 4 مايو،، كما تعرض مطار “بن غوريون” الدولي لهجوم مباشر. وفي حادثة أخرى، سقطت طائرة سوبر هورنيت ثانية من حاملة الطائرات بسبب فشل فني خلال محاولتها الهبوط، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إلى القيادة العسكرية المشرفة على العملية”.

وتفيد الصحيفة أن الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، كان قد قدم خطة عسكرية تمتد لثمانية أشهر تستهدف تدمير الدفاعات الجوية للحوثيين وشن اغتيالات دقيقة ضد قياداتهم، إلا أن البيت الأبيض قيد هذه الخطة إلى 30 يومًا فقط لعرض نتائج سريعة. ومع انتهاء المهلة، اتضح أن الحوثيين عززوا قدراتهم، ونقلوا مخازن أسلحتهم تحت الأرض، واستمروا في مهاجمة السفن والطائرات الأميركية”.

من جهته، أبدى رئيس هيئة الأركان الجديد، الجنرال دان كين، ونائب الرئيس جيه دي فانس، ومديرة الاستخبارات تولسي غابارد، ووزير الخارجية ماركو روبيو تحفظاتهم على إطالة أمد الحملة، محذرين من استنزاف الذخائر الدقيقة الاستراتيجية التي قد تكون ضرورية في حال اندلاع مواجهة مع الصين حول تايوان. كما أبدى المسؤولون قلقًا من نفاد المخزونات عالية الدقة من الذخائر البعيدة المدى، والتي استُخدمت بكثافة في الحملة على اليمن”.

وفي تطور مثير للجدل، أفاد عدد من المسؤولين الأميركيين بأن وزير الدفاع بيت هيجسيث ومساعده مايكل والتز ارتكبا مخالفات داخلية، من بينها تسريب تفاصيل خطط العمليات عبر تطبيق سيغنال، في محادثة تضم صحفيًا عن غير قصد، ما اعتبر تهديدًا لسلامة الطيارين وأمن العمليات. هذه الحادثة زادت من الانتقادات الداخلية التي تُلاحق إدارة ترامب في طريقة إدارتها للملف اليمني.

وذكرت الصحيفة أن” السعودية كانت قد دعمت خطة الجنرال كوريلا، وقدّمت لواشنطن قائمة بـ12 قائدًا حوثيًا قالت إن القضاء عليهم سيُضعف الحركة بشكل كبير، إلا أن الإمارات العربية المتحدة، الحليف الثاني في التحالف، كانت أكثر تشكيكًا في نجاعة هذه المقاربة، مستذكرة فشل سنوات من القصف الجوي السعودي-الإماراتي في هزيمة الحوثيين”.

ومع كل هذه المعطيات، قرر ترامب إنهاء العملية بشكل مفاجئ. وفي مؤتمر صحفي، أعلن البيت الأبيض أن العملية الأميركية حققت أهدافها، بينما سارع الحوثيون إلى إعلان “النصر على أميركا”، ونشروا وسمًا احتفاليًا على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرته الصحيفة تعبيرًا عن نجاح معنوي كبير لليمن التي صمدت أمام واحدة من أعنف الحملات الجوية الأميركية في المنطقة.

ويُظهر هذا القرار، بحسب نيويورك تايمز، كيف أن الرئيس الأميركي ما زال يقيّم التدخلات العسكرية وفقًا لحسابات داخلية ترتبط بالميزانية والانتخابات، أكثر من ارتباطها بالاستراتيجية أو توازنات المنطقة. وبينما يستعد ترامب لزيارة السعودية وقطر والإمارات، يبدو أن الشرق الأوسط على موعد مع إعادة تموضع أميركي لا يخلو من الارتباك، وتدفع إسرائيل ثمنه صمتًا.