الوطنية ملاذ الأوغاد
محمد الجوهري
هذه العبارة الشهيرة تُنسب للكاتب والفيلسوف الإنجليزي صامويل جونسون، ويُقصد بها أنها الملاذ الأخير للمفلسين على الدوام. وعندنا في اليمن، للأوغاد تاريخ طويل في الاتجار بالوطنية، ونتذكّر أن أحزاب اللقاء المشترك كانت تردّد هذه العبارة بكثرة في إشارة إلى نظام صالح الذي كان يرفع شعارات الوطنية رغم ما عليه من العمالة والتبعية للخارج. وكانت تلك الشعارات الوطنية المرفوعة تتضمن تدليسًا لأحزاب اللقاء المشترك المعارضة له، فحزب الإصلاح ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي منشأها مصر، ومقرها العام في العاصمة البريطانية لندن، فيما كانت الأحزاب اليسارية، بشقّيها الاشتراكي والناصري، واضحة في أنها امتداد لتيارات مماثلة تأسست في الخارج ووصلت إلى اليمن في فترات مختلفة.
كان عفاش يقدّم حزبه بأنه يمني الهوى والهوية، ورغم أن كلمة “شعبي” تشير إلى توجه يساري، فهي امتداد لكلمة “سوفييتي”، التي تبنّاها الماركسيون في اسم الدولة بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917. ومع صعود الحركات القومية واليسارية والاشتراكية بعد الاستقلال عن الاستعمار في منتصف القرن العشرين، أصبحت الكلمة مرادفة لأسماء كثير من الأحزاب والدول الاشتراكية حول العالم. ولا تزال الصين وكوريا الشمالية تحتفظ بها حتى اليوم، فيما سقطت من أسماء دول أخرى في أوروبا الشرقية والعالم العربي، وكان آخرها ليبيا واليمن الجنوبي سابقًا.
لم يكن عفاش يملك ثقافة يقدّمها للجماهير، وكان يردّد العبارات السائدة آنذاك ليوصم بها خصومه، كـ”الشموليين”، و”العملاء”، و”أعداء الوطن”، رغم أنه وصل إلى السلطة بضوء أخضر من النظام السعودي، نظير مشاركته في اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي. ولولا ولاء عفاش للرياض، لما تجاوزت فترة حكمه ثلاث سنوات، وهي المدة ذاتها التي حكم فيها الرئيس الحمدي، لكنه جعل من اليمن حديقة خلفية لآل سعود، وأوقف أي مشاريع كان من شأنها أن تجعل من البلاد قوة إقليمية عظمى.
وشاءت الأقدار أن يسقط نظام عفاش بعد ثورة الشباب، التي كانت امتدادًا لموجة ثورات الربيع العربي عام 2011. وكان لحزب الإصلاح الدور الأكبر في المرحلة التي تلت ذلك السقوط، وعندئذٍ تغيّرت لغة “إخوان اليمن” من الخطاب الديني إلى الخطاب الوطني، ونسوا أنهم كانوا يكفّرون الوطنية ودعاتها من قبل. لكن ظروف المرحلة تطلبت تغيير المصطلحات والتوجهات، حسب رغبة السفارة الأمريكية التي تفضّل التعامل مع مشاريع إقليمية محدودة، بدلاً من المشاريع الدينية العابرة للأوطان.
ومنذ ذلك التاريخ، وحزب الإصلاح، بإعلامه المموَّل قطريًا، يتاجر بالوطنية، ويتّهم خصومه بالتجرد منها. ولو قمنا بمقارنة خطاباته القديمة، قبل العام 2011، مع خطابه اليوم، لوجدنا أن في القديم ما يُكفّر الجديد، وأن الحزب انقلب جذريًا على كل مبادئه السابقة، كما انقلب على انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013، بعد سقوط نظام محمد مرسي في مصر، عندما أعلن اليدومي أنه لا علاقة لحزب الإصلاح بجماعة الإخوان، رغم أن تصريحات سابقة له تؤكد ذلك الانتماء بقوة.
وحتى اليوم، يتشارك الحزب مع آل عفاش في الاتجار بالشعارات الوطنية، ويتبادل الطرفان الاتهامات بالخيانة والتبعية للخارج رغم أن الطرفين مجمعان على مساندة تحالف العدوان السعودي – الإماراتي على اليمن، ورغم أن قيادتهما تمتلك الاستثمارات الكبيرة في مصر وتركيا، وكلها من أموال الشعب، لكن الحديث عن الوطنية بات ملاذاً آمنا لهم حتى لا تنقطع أرزاقهم ومرتبات اللجنة الخاصة وغيرها.
بالنسبة لأنصار الله، فإن مشروعهم ديني محض لا نقاش فيه، ولم تتغير لغتهم الدينية بعد الوصول إلى السلطة، وقد فشل عفاش أن يقنعهم بالعزوف عن ترديد الصرخة ومعاداة أمريكا وإسرائيل والتركيز على الشعارات الوطنية عوضاً عنها، وقد دفعه فشله إلى الغدر بهم وإعلان الانقلاب يوم 2 ديسمبر 2017، والذي يصادف اليوم الوطني للإمارات وليس الأمر صدفة، فعفاش يرى أن الاتجار بغير الوطن جريمة وإرهاب وهذه هي رؤية الإمارات تجاه الجماعات الدينية بشكلٍ عام.