تأصيل الوعي والهوية والإحياء الحضاري .. عودة الروح اليمنية
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر
التأصيل الثقافي التاريخي والحضاري واستعادة الهوية الايمانية اليمنية
مثّلت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لحظة تحوّل مفصلي في تاريخ اليمن الحديث، ليس فقط باعتبارها ثورة شعبية ضد الوصاية والتبعية، بل كحراك جذري لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للأمة اليمنية على أسس من الإيمان والكرامة والسيادة. لقد جاءت هذه الثورة لتؤسس لمرحلة جديدة من الحضور التاريخي والحضاري، عبر استنهاض الهوية الإيمانية الأصيلة، واستعادة ملامح الوجود الثقافي الذي حاولت قوى العدوان وأدواتها طمسه لعقود.
في ظل محاولات ممنهجة لتفكيك الهوية اليمنية، وتغييب وعي الإنسان اليمني بتاريخ أمته وقيمه، كانت ثورة 21 سبتمبر استجابة حقيقية وضرورية لنداء الانتماء، وتحركًا واعيًا نحو تأصيل الثقافة القرآنية في الوجدان الشعبي، وربط الحاضر بالماضي المجيد، حيث كان اليمن موطن الإيمان، وحاضنة القيم، ومنطلق المبادئ.
ومن خلال مسيرتها الواعية، أعادت الثورة الاعتبار للدور الحضاري للشعب اليمني، باعتباره صانعًا للتاريخ لا تابعًا له، ورسّخت في الوعي الجمعي أن الثقافة ليست ترفًا فكريًا، بل خط مواجهة رئيسي في معركة التحرر والاستقلال. لقد أعادت الثورة إنتاج العلاقة بين الإنسان اليمني وأصالته، بين قيمه ومواقفه، بين هويته ودوره في نصرة قضايا أمته، وفي مقدمتها مواجهة الهيمنة، ونصرة فلسطين، والدفاع عن المقدسات.
الثورة بوابة الإحياء الثقافي واستنهاض الهوية الإيمانية
شكّلت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر انطلاقة وعي جديد، أعادت من خلاله الثقافة اليمنية إلى سياقها الإيماني الأصيل. فقد انبعثت من صلب المسيرة القرآنية، لا كمجرد فعل احتجاجي، بل كمشروع إصلاحي شامل يهدف إلى استعادة الإنسان اليمني في هويته، وانتمائه، ووعيه.
لقد أدركت الثورة أن أخطر ما تم استهدافه عبر العقود الماضية لم يكن الأرض ولا السيادة فقط، بل الإنسان في ثقافته وفكره وروحه. ولذا، بدأت من حيث يبدأ التغيير الحقيقي ،من بناء الوعي فحررت مفاهيم الإيمان من القوالب الجامدة، وربطت العقيدة بالمسؤولية، والمبادئ بالمواقف، وأخرجت الشعب من حالة الاستسلام الثقافي إلى حالة الحضور والمبادرة.
استنهضت الثورة الذاكرة التاريخية لليمنيين، وربطتهم بسيرة أجدادهم الأوس والخزرج والأنصار، وأعادت الاعتبار لما يحمله الشعب اليمني من إرث إيماني عظيم، جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصفهم بأهل الحكمة والإيمان. ومن هنا، فإن استعادة الهوية الإيمانية لم تكن شعارًا، بل كانت أساسًا لبناء دولة ذات مشروع إنساني مستقل، يتناغم مع القيم القرآنية وينطلق منها.
ارتقاء الوعي الشعبي في مختلف المجالات
لم يمضِ وقت طويل بعد انتصار الثورة حتى بدأت ملامح التحول في الوعي تتجلى بوضوح. فقد أصبحت قطاعات واسعة من الشعب تدرك طبيعة الحرب التي تُشن عليها، وتميز بين العدو الحقيقي ومَن يعمل كأدوات له، بين التحرر الحقيقي والارتهان المغلف بشعارات زائفة.
ظهر هذا الوعي في اتساع رقعة المشاركة الشعبية في مواجهة العدوان، وفي الالتفاف الواسع حول خيارات السيادة والاستقلال، وفي احتضان المشروع القرآني كمصدر لبناء الإنسان. وقد امتد هذا التحول ليشمل مجالات التعليم، والإعلام، والخطاب الديني، والفن، والعمل الاجتماعي، مما أعاد صياغة الأولويات الوطنية وفق مبدأ: “الهوية أولًا، والسيادة فوق كل اعتبار”.
الارتقاء بالوعي لم يكن تلقائيًا، بل نتيجة لتوجيه ممنهج من قبل قيادة الثورة، التي عملت على تنمية الشعور الجمعي بالمسؤولية، وعلى إعادة الاعتبار للثقافة القرآنية كمصدر للتحليل، واتخاذ المواقف، وبناء الرؤية.
توجيه القدرات الإبداعية لخدمة القضايا المبدئية
من أبرز ما نجحت فيه ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر هو إعادة توجيه القدرات الإبداعية والفكرية نحو القضايا الكبرى والمبدئية للأمة. لم تعد الأغنية اليمنية محصورة في العاطفة، بل صارت تنبض برسائل التحرر، والهوية، والمقاومة. لم تعد الكلمة الشعرية حبيسة الوصف، بل صارت تجسيدًا للانتماء والصمود.
ظهر جيل جديد من الفنانين والمثقفين والشعراء والكتّاب، يحمل رسالة الثورة في ضميره، وينطق بلغة القضية، ويعبّر عن صوت الشعب. فتحولت المناسبات الوطنية إلى منصات ثقافية، وتحول الفن من أداة ترفيه إلى وسيلة تثقيف وتوعية، ومنبَر تعبوي يعزز مناعة المجتمع في وجه الغزو الثقافي والتضليل الإعلامي.
بل إن هذا التوجيه الواعي للإبداع أعاد للفن اليمني مكانته كعنصر من عناصر المقاومة، كما ساهم في بناء وعي جمالي متجذر في القيم، ومتصل بالهوية، وغير قابل للاختراق.
الثورة في مواجهة الحرب الناعمة واستهداف الهوية
مع فشل القوى الخارجية في كسر إرادة الشعب اليمني عسكريًا، اتجهت بشكل متسارع إلى الحرب الناعمة، محاولةً اختراق الجبهة الداخلية عبر أدوات الثقافة، والإعلام، والمفاهيم، وتفكيك البنية القيمية للمجتمع.
غير أن قيادة الثورة كانت على وعي مبكر بهذه الحرب، فعملت على تحصين المجتمع معرفيًا وثقافيًا، من خلال ترسيخ ثقافة الوعي، وتحفيز القراءة، ومواجهة التضليل، وكشف أساليب الغزو الفكري. وبدلًا من الانكفاء أو رد الفعل، أصبحت الجبهة الثقافية متقدمة في المواجهة، وقادرة على المبادرة وكشف الحقائق.
لقد أدركت الثورة أن أخطر ما يمكن أن يُسرق من الشعوب هو وعيها، فوضعت الهوية الإيمانية في صدارة أولوياتها، وأعادت تعريف العلاقة بين الإنسان وقيمه، بين ثقافته ومواقفه، ليصبح اليمني أكثر حصانة، وأكثر فاعلية في معركة الدفاع عن وجوده.
خاتمة :
إن ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر ليست فقط فعلًا سياسيًا، بل نهضة ثقافية وروحية عميقة، شكّلت نقطة انطلاق نحو ترسيخ المشروع الحضاري اليمني المتجذر في الهوية الإيمانية، والممتد في سياق المسيرة القرآنية المباركة، لتصبح بذلك عنوانًا للكرامة، وبوابة للوعي، ومنصة لاستعادة التاريخ والحضور والأصالة.
لقد أعادت تعريف اليمني في ضمير نفسه، وربطته بجذوره الإيمانية، وأعادت له القدرة على المبادرة، والكرامة، والتمسك بالقيم في وجه رياح التطبيع والانهزام الثقافي.