التاريخ لا يُقصف .. جرائم العدوان بحق حضارة اليمن وموروثه التاريخي العريق
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
لم يكن العدوان على اليمن مقتصرًا على القتل المباشر والحصار الخانق، بل تعدّى ذلك إلى جريمة أبشع، تمثّلت في استهداف الهوية التاريخية والحضارية لليمن. هذا التقرير يُسلّط الضوء على واحدة من أخطر جرائم الحرب الثقافية التي ارتكبتها دول العدوان بقيادة الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، في محاولة لتدمير الذاكرة الجمعية لليمنيين واقتلاع جذورهم التاريخية الممتدة في عمق الحضارات القديمة.
تكمن أهمية هذا التقرير في كونه يوثّق الحقد الدفين لدول العدوان تجاه الموروث التاريخي اليمني، ويعرض أدلة على الاستهداف المتعمد للمواقع الأثرية والمدن التاريخية، ليس فقط بالقصف، بل أيضًا من خلال أعمال النهب والتهريب المنظم للآثار، ضمن مشروع استعماري حديث .
حضارة اليمن .. هدفٌ ممنهج للعدوان ![]()
اليمن ليست دولة عابرة في تاريخ البشرية، بل هي مهد حضارات ضاربة في القدم، مثل حضارة سبأ ومعين وحِمْيَر وقتبان، التي تركت خلفها معالم وآثاراً لا تُقدّر بثمن. هذا العمق التاريخي جعل اليمن في مرمى عدوان يسعى لطمس أحد أعرق الأركان في ذاكرة العرب والإنسانية.
في هذا السياق، قامت دول تحالف العدوان بقيادة الولايات المتحدة والسعودية بتوجيه ضربات مباشرة لأكثر من 100 مَعلم أثري ما بين مدينة ومتحف وموقع ومسجد وحصن وقلعة تاريخية ، كان على رأسها المُدن التاريخية اليمنية المسجلة في قائمة التراث العالمي وهي: صنعاء التاريخية والتي دُمّرت أجزاء من مبانيها الطينية الفريدة بفعل القصف، زبيد التاريخية التي شهدت قصفًا متكررًا لمحيطها وتضرر بنيتها الأثرية، بالإضافة الى مدينة أخرى مثل مدينة كوكبان في محافظة المحويت وغيرها من المُدن ذات القيمة التاريخية في الوقت الذي لم تكن تمثل أي هدف عسكري على الاطلاق ، ولا ننسى أيضاً ما نال مدينة براقش التاريخية من خراب ودمار جراء قصفها خمس مرات متتالية.
سرقة الآثار.. جريمة صامتة برعاية دولية ![]()
إلى جانب القصف، تم رصد شبكات تهريب آثار منظمة تنشط في اليمن، تعمل بغطاء مباشر أو غير مباشر من دول العدوان. وقد ظهرت آثار يمنية نادرة في مزادات علنية في باريس ونيويورك ولندن، وهو ما أكّدته تقارير صحفية دولية، أبرزها:
تقرير وكالة “فرانس برس” (AFP) عام 2021، عن تهريب قطع أثرية يمنية بعد عام 2015.
تقرير منظمة اليونسكو حول حماية الممتلكات الثقافية في مناطق النزاع.
تحقيقات نُشرت في موقع “ميدل إيست آي” أشارت إلى تورّط أطراف إماراتية في تسهيل عمليات التهريب من مناطق سيطرة التحالف.
تدمير الذاكرة… جريمة حرب ثقافية ![]()
إن استهداف الإرث الثقافي والتاريخي لأي أمة يُعد جريمة حرب بموجب اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية (1954)، واتفاقيات جنيف التي تحظر الاعتداء على المواقع غير العسكرية. ومع ذلك، فإن تحالف العدوان لم يكتفِ بالحصار والتجويع، بل امتد ليضرب في عمق ما يُمثل روح اليمن وكرامته التاريخية.
شهادات ودلائل دامغة
وزارة الثقافة اليمنية نشرت خلال السنوات الأخيرة أكثر من 20 بيانًا توثق الاستهداف المباشر للمعالم الأثرية.
تقارير محلية صادرة عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وثّقت الأضرار التي لحقت بأكثر من 80 موقعًا بين عامي 2015 و2023.
مؤرخون يمنيون، أكّدوا أن ما يجري يمثل تصفية للهوية اليمنية.
الحضارة لا تموت… صمود الشعب وإرادة الاستمرار
رغم فداحة العدوان، لم تنكسر إرادة اليمنيين في الحفاظ على موروثهم الثقافي والتاريخي. تشهد العديد من المبادرات المجتمعية عمليات توثيق للمعالم المتضررة، إلى جانب جهود لإعادة ترميم بعضها في مناطق سيطرة الدولة، بدعم من المنظمات المحلية والدولية.
خاتمة:
ما ارتكبه العدوان الأمريكي الصهيوني السعودي الاماراتي في اليمن من جرائم بحق الحضارة والإنسانية لن يُمحى من ذاكرة التاريخ، ولن تسقط بالتقادم، تدمير المعالم الأثرية ونهب الكنوز الثقافية هي محاولة بائسة لإسكات الماضي، لكن التاريخ اليمني كتب نفسه قبل آلاف السنين، وسيبقى ما بقيت الإنسانية.