الإمام الأطروش.. الداعية الإسلامي الحصيف والمَثَلُ الأعلى للمُبَلِّغيْن والقادة في عصرنا الراهن
يمانيون|أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال
يعتبر الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش من أعظم الأئمة الأعلام الهداة من أهل البيت النبوي, صاحب مدرسة فقهية وجهادية متميزة وداعية حصيف من الطراز الأول, توجه إلى طبرستان والديلم شمال إيران, والأقاليم المجاورة, (250هـ)، وأهلها مشركون يعبدون الأحجار والأوثان, فتعلم اللغة الفارسية وأتقنها’ فدعاهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فأسلموا على يديه، ألف ألف (مليون) نسمة، ثم أقام بها دولة الإسلام العادلة في عضون 10 سنوات, كما أنه يعتبر المثل الأعلى للعاملين في الحقل الإسلامي في عصرنا الراهن, يستدعي من الجميع دراسة حياته ومسيرته الدعوية والجهادية المشرقة.
تزامن قيامه بأمر الإمامة في الجيل والديلم، مع قيام الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام في اليمن، وكان للإمام الهادي مكانة كبيرة في نفس الإمام الناصر، وكان يحسبه من أئمة الهدى ويحث على نصرته, فيما كانت طبرستان وخراسان وما جاورها من المناطق صلة وثيقة وقديمة بالتشيع لأهل البيت عليهم السلام عموما ولأئمة الزيدية ودعاتها خصوصا, وأرضا خصبة لبناء نواة الدولة الزيدية التي استمرت لقرون, والملاذ الآمن لأهل بيت رسول الله بعد أن جرى مطارتهم وقتلهم في الجزيرة العربية ونفيهم منها.
وهنا نستعرض جزء مشرق من حياة سيرة ومسيرة أئمة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وما عانوه من المصائب والبلاء بعد أن تنكرت لهم الجزيرة العربية بعد سنوات قليلة من رحيل الحبيب المصطفى( ص ) .
نسبه:
هو أبو محمد الحسن المقلب(بالناصر للحق الأطروش) بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليها السلام .
والده
علي بن الحسن كان من المعدودين في فضلاء أهل البيت عليهم السلام وحفاظهم وفقهائهم.
أمه
اسمها: حبيب، أم ولد مجلوبة من خراسان.
ولادته
ولد الإمام الناصر للحق بالمدينة المنورة سنة (230هـ).
صفته
كان طويل القامة، يضرب إلى الأدمة، به طرش من ضربة أصابت أذنه أثناء جهاده.
نشأته
نشأ نشأة سلفه الأكرمين في طلب العلم والمعرفة، ولم يكتف بما حصل من علوم أهل المدينة حتى رحل إلى الكوفة، وأخذ عن مشايخها، وروى عنهم، كمحمد بن منصور المرادي، ولم تحدد المصادر الموجودة بين أيدينا تاريخ رحلته إلى الكوفة، إلا أننا نقدر أنه رحل ما بين الخمسين إلى الستين ومائتين ليكون عمره في الثلاثينات، العمر الذي يؤهله للترحال، والأخذ على مشايخ الكوفة.
وظل في الكوفة فترة لم تحددها المصادر التاريخية، ثم توجه بعد ذلك إلى طبرستان، أيام الداعي الحسن بن زيد، قبل سنة (270هـ) وقد أقام الإمام الناصر عنده إلى أن توفي، وولي أخوه محمد بن زيد، فأقام معه فترة، ويبدو أنه لم يكن راضيا عن سيرتهما من كل وجه، وكان يعتقد أن أمورهما لا تجري على الإستواء والسداد لا على وجه العدل (فلم يكن يتلبس لهما بعمل ولا يلي من جهتهما شيئا).
حتى أن محمد بن زيد قلَّده القضاء، فأبى فأكرهه عليه فتقلده، فلما جلس أول يومه أبان محمد بن زيد إجلالا له، وتعظيما لشأنه، فأمر القائم على رأسه وهو في مجلس الحكم بأن يأخذ محمد فيقعده بين يديه، فقال محمد: لم آتك مخاصما، ولا لأحد قِبَلِي دعوى فما هذا ؟! قال: بلى، عليك دعاوى كثيرة، فإن كنت قلدتني القضاء، فإني أبدأ بإنصاف الناس منك، ثم أقضي بين الناس، فلما علم محمد منه الجد عزله. ثم لم يتقلد له عملا بعد ذلك.
مبايعته وعلاقته بالإمام الهادي في اليمن
بويع الإمام الناصر سنة (287هـ) بعد قيام الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، وظهوره في اليمن بخمس سنين, تزامن قيامه بأمر الإمامة في الجيل والديلم، مع قيام الإمام الهادي عليه السلام في اليمن, الذي كان قد خرج إلى آمل قبل ظهوره في اليمن, وكان للإمام الهادي مكانة كبيرة في نفس الإمام الناصر، حيث كان يعده من أئمة الهدى ,حتى روي أن الإمام الناصر حث على نصرة الإمام الهادي في اليمن بقوله: “من يمكنه أن ينصره، وقرب منه فنصرته واجبة عليه، ومن تمكن من نصرتي، وقرب مني فلينصرني”
الإمام المجاهد.. وسبب تسميته بالأطروش
لقد رفع الإمام الناصر راية الجهاد، غير مبال ولا مكترث بما يناله من الأذى، ذلك لما يعرفه من أجر المجاهد الصابر، فما تعرض له من الأذى حين خرج إلى نيسابور، أو جرجان أيام السجستاني طامعا في أن يتمكن من الدعاء إلى نفسه فأجابه كثير من قواد السجستاني وغيرهم، ثم سعى به بعض من كان وقف على أمره، فأخذه واعتقله، وضربه بالسياط ضربا عظيما، قيل: ألف سوط، ووقع سوط في أذنه فأصابه منه طرش، ولذلك سمي الأطروش، واستقصى عليه أن يعترف بما كان منه ويعرفه أسامي أصحابه، فثبت على الإنكار وحبسه في بيت فيه خمور، نكاية به وتشديداً عليه، حتى قال الناصر: قويتُ برائحة تلك الخمور، فقيل له: لو أكرهت على شربها ما الذي كنت تصنع؟ فقال: كنت أنتفع بذلك، ويكون الوزر على المكرِه، وهذا من ملح نوادره ومزاحه الذي لا يجاوز الحق .
داعية من الطراز الأول
كان الإمام الناصر داعية من الطراز الأول، حدد أهداف دعوته قائلا في كتاب بعثه إلى بعضهم: (ولقد بلغك – أعزك الله – ما أدعو وأهدي إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إحياء لما أميت من كتاب الله تعالى، ودفن من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله) .
توجه إلى بلاد الديلم وأهلها مشركون ومجوس، فدعاهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فأسلموا على يديه، حتى بلغ من أسلم على يديه ألف ألف (مليون) نسمة، وتحولوا إلى مجاهدين زهاد عباد.
قال الناصر وقد دخل آمل، وازدحم عليه طبقات الرعية في مجلسه: (أيها الناس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون، يعبدون الشجر والحجر، ولا يعرفون خالقا، ولا يدينون دينا، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف بهم حتى دخلوا فيه أرسالا، وأقبلوا إلي إقبالا، وظهر لهم الحق، واعترفوا بالتوحيد والعدل، فهدى الله بي منها زهاء مأتي ألف رجل وامرأة، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون حدود الصلوات المكتوبات، والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وجد ألف دينار ملقى على الطريق لم يأخذ ذلك لنفسه، وينصبه على رأس مزراقه (رمحه) ينشده في هواي، واتباع أمري في نصرة الحق وأهله، لا يولي أحد منهم عن عدوه ظهره، وإنما جراحاتهم في وجوههم وأقدامهم، يرون الفرار من الزحف إذا كانوا معي كفرا، والقتل شهادة وغنما).
الإمام العالم
لقد كان الإمام الناصر من أوعية العلم، وجبال المعرفة، ضرب في كل فن من فنون العلم بسهم وافر، واشتهر علمه وذاع، أخذ على آبائه، وأهل بيته في المدينة في ريعان شبابه، ثم رحل إلى الكوفة، وأخذ عن مشائخها وروى عنهم، وقرأ من كتب الله تعالى المنزلة على رسله ثلاثة عشر كتابا، وقيل: ستة عشر، منها: التوارة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وباقيها من الصحف (2). وكان مختصا بعلم القرآن واللغة.
رسالة لأصحابه
قال ذات مرة في رسالة إلى بعض أصحابه: (بعد أن محصت آي التنزيل، عارفا بها، منها تفصيل وتوصيل، ومحكم ومتشابه، ووعد ووعيد، وقصص وأمثال، آخذا باللغة العربية التي بمعرفتها يكون الكمال، مستنبطاً للسنة من معادنها، مستخرجاً للكامنات من مكامنها، منيرا لما ادْلَهَمَّ من ظُلَمِها، معلنا لما كُتم من مستورها).
وقال أيضا مخاطبا أصحابه: (أيها الناس اتقوا الله، وكونوا عليه قوامين بالقسط كما أمركم الله، وأْمُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وجاهدوا رحمكم الله في الله حق جهاده، وعادوا الآباء والأبناء والإخوان في الله، فإن هذه الدار دار قلعة، ودار بلغة، ونحن سُفر، والدار التي خلقنا لها أمامنا، وكأن قد بلغنا إليها ووردناها، فتزودوا من العمل الصالح، فإن طريق الجنة خشن، وبالإجتهاد نبلغ إليها، إني لا أغر نفسي ولا أخدعها بالأماني، ولا أطمع أن أنال الجنة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دل على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسن هذه السنن والأحكام، فنحن أولى الخلق باتباعه، واقتفاء أثره، واحتذاء مثاله، والإقتداء به)
قالو في الإمام الناصر:
قال فيه الإمام الهادي عليه السلام: الناصر عالم آل محمد كبحر زاخر بعيد القعر.
وقال أبو طالب: كان جامعا لعلم القرآن والكلام والفقه، والحديث والأدب والأخبار واللغة، جيد الشعر، مليح النوادر، مفيد المجالس
وقال الإمام عبد الله بن حمزة: لم يكن في عصره مثله شجاعة وعلما
وقال مؤرخ الزيدية الشهيد حميد المحلي: وبرز في فنون العلم حتى كان في كل واحد منها سابقا لا يجارى، وفاضلا لا يبارى.
وقال خير الله الزركلي: كان شيخ الطالبيين وعالمهم
وقال المحلي: كان جامعا لفنون العلم من أصول الدين، وفروعه، ومعقوله، ومسموعه، راوية للآثار، عارفا بالأخبار، ضاربا في علم الأدب بأقوى سبب وكان محدثا مسندا.
وقال أبو طالب: وكان ينظر في الأمور بنفسه وبسط العدل، ورفع رسوم الجور
وقال ابن جرير الطبري: ولم ير الناس مثل عدل الأطروش، وحسن سيرته، وإقامته للحق
وقال ابن الأثير: وكان الحسن بن علي حَسُن السيرة، عادلا، ولم ير الناس مثله في عدله، وحسن سيرته، وإقامته للحق
وقال ابن حزم: وكان هذا الأطروش فاضلا، حسن المذهب، عدلا في أحكامه
الإمام المؤلف وأثاره العلمية
لم يكن الإمام الناصر بدعا من أئمة الزيدية، الذين لم يشغلهم الجهاد، وتجييش الجيوش، والنظر في أمور المسلمين، والدعوة إلى الله عن التأليف والكتابة، فرغم الحوادث التي أتت عليهم،والتي تذهب عندها الألباب، وتطير معها الحلوم، فقد خلفوا تراثا ملأ سمع الدنيا وبصرها، فهذا الإمام الناصر أَلَّف وصنَّف الكثير من الكتب، حتى قيل: إن مؤلفاته تزيد على 300 كتابا منها : كتاب البساط، والاحتساب, والمغني، و المسفر، والصفي، وكتاب الباهر جمعه بعض علماء عصره على مذهبه، و ألفاظ الناصر رتبه أيضاً أحد العلماء المعاصرين له، كان يحضر مجلسه ويكتب ألفاظه جمع فيه من أنواع العلوم ما يبهر الألباب، والتفسير اشتمل على ألف بيت من ألف قصيدة، والإمامة، والأمالي فيها من فضائل أهل البيت الكثير الطيب, وغيرها الكثير والكثير.
الشاعر الحماسي والأديب الفذ
لقد كان الإمام الناصر عليه السلام شاعرا رقيقا، وحماسيا، وأديبا فذا، متبحرا في علوم اللغة، مطلعا على أشعار العرب، يحفظ منها الكثير، كتب في التفسير كتابا احتج فيه بألف بيت من الشعر (1).
قال الشعر في مواطن عديدة، ولم يحفظ لنا التاريخ إلا القليل من شعره، إلا أنه يدل على شاعرية مطبوعة، وأدب راقٍ، فمن شعره في بداية دعوته في مرحلة السر:
عهود الصبا سقيا لكن عهودا … وإن كان إسعافي لكن زهيدا
لقد حل مغناكن حلم وشيبة … يُرى هديها من عهدكن بعيدا
فتى غادرت منه الخطوب غشمها … طبيبا لأدواء الخطوب جليدا
إذا ساورته الغانيات من الهوى … تبلج غلابا لهن حميدا
ترى الناس يخفون الكلام تحفظا … إذا ما رأوه أو يكون رشيدا
تباعد عنه المخلصون ذووا التقى … وأصبح بين المفسدين فريدا
عجيب لمن كان النبي وصهره … وفاطم آباءاً له وجدودا
يرى من خلاف الناس لله ما يرى … فيغضي عليه أو يطيق قعودا
محلين لا يرعون لله حرمة … صدودا ولا يخشون منه صدودا
لقد أُسمع الآي المفصل من له … مسامع وعدا صادقا ووعيدا
أمخترمي ريب المنون ولم أَقُدْ … خيولا إلى أعدئنا وجنودا
ولم أخضب المران من قاني الكلى … وأترك منه في القلوب قصيدا
بكل فتى بالسيف أخرق في العدى … وإن كان في ذات الإله مجيدا
يرى الموت حتف الأنف عارا وسبة … وفخرا وأجرا أن يموت شهيدا
إلى أن أرى إثر المحلِّين قد عفا … وقائم زرع القاسطين حصيدا.
وقال متغزلا في سيفه وترسه، وآلة حربه، وممتدحا بمكارم الأخلاق التي جبل عليها:
حسبي من البيض الملاح … عناق سيفي واحتضانه
عضبٌ إذا عدم الكمـ … ـيُّ الريقَ ينقعني أمانه
وكأن جرى في جسمه … من بعد تصفية دخانه
لدن يهز الكف مثـ … ـل النون أسلمه مكانه
من غير ما خفر ولـ … ـكن الشِّرَى هذا أوانه
فبمثله يأبى الكريـ … ـم الشهم ما فيه هوانه
وأنا أمرؤ عند احتد … ام الموت ينجيني جرانه
وإذا تداين معشر … يجدونه وخما دِيَانُه
وإذا تكلم واعظا … فكفاك من عظة بيانه
يلقي غواشيه إذا … طرقوه منزعة جفانه
ما إن يفارق خيمه … في كل ما أبلى زمانه
شهدت له أفعاله … أن لم يقل كذبا لسانه
ذو منصب ناء عن الأ … دناس يغنيني صيانه
ومؤمل ذي نخوة … في الحرب جم خُنزُوانه
من شأنه قطع الكما … ة لدى الوغى رعف سنانه
غادرته متجدلا … ودماء مفرقه دهانه
بالله ربي ما استغثـ … ت وما أنا لولا حنانه
وقال مبديا أسباب قيامه ودعوته، وما كان عليه الناس قبل قيامه, نقتبس بعض الأبيات منها:
ولما رأيت اعتداء العباد … وإظهارهم كل ما لا يحل
وعقد الإمامة للفاسقين … وكل ظلوم ضلول مضل
وخمس ذوي الخمس ما بينهم … لِلَهو له دولة مبتذل
وكال لهم علل من دِمَا … بني المصطفى بعد ورد نهل
نهضت ولم أبتئس بالذي … من الأهل أو غيرهم قد خذل
لتجديد دين الإله الذي … أراه بجور الورى قد شمل
على الله في كل ما قد أروم … وأسعى لإصلاحه أتكل
وما الله عن خلقه غافل … ولا الله عن خلقه قد غفل
وأيضا :
فخشيت أن ألقى الإله وما … أبليت في أعدائه عذري
أو أن أموت على الفراش ضنى … موت النساء أجر في القبر
وعلمت أني لا أزاد بما … آتي وينقص من مدى عمري
فشريت للرحمن محتسبا … نفسا لدي عظيمة القدر
أجري إلى غايات كل علا … مثلي إلى أمثالها يجري
لأنال رضوان الإله وما … فيه الشفاء لعلة الصدر
في فتية باعوا نفوسهم … لله بالباقي من الأجر
صبروا على عفر الخدود وما … لاقوا من البأساء والضر
يا رب فاحشر أعظمي ودمي … من بطن أم فراعل غبر
أو ثعلب أو جوف ثعلبة … أو قضب ذيب أو معا نسر
وقال في بعض معاركه راجزا:
شيخ شرى مهجته بالجنة … واستن ما كان أبوه سنه
ولم يزل علم الكتاب فنه … يقاتل الكفار والأظنه
وقال متحدثا عن يقينه وإيمانه:
أرتني أهوال المعاد بصيرتي … وتصديق وعد الغيب رأي عيان
فأيقنت أني بالذي قد كسبته … مدين فقلبي دائم الخفقان
وأن وعيد الله حق ووعده … فمن موبق أو فائز بجنان
فأعلنت بالتوحيد والعدل قائلا … وأظهرت أحكام الهدى ببيان
وقال متوجعا لمصائب أهل البيت عليهم السلام:
وبي لأحوال بني المصطفى … هم له شف وتبريح
عاداهم الخلق فذو نسكهم … بالهم مغبوق ومصبوح
في كل أرض منهم طاهر … له دم في الناس مسفوح
وميت في الحبس ذو حسرة … وموثق بالقيد مذبوح
وهالك يندب في أهله … أفلت منه وهو مجروح
لم ينقموا منهم سوى أنهم … السادة الطهر المراجيح
دعوا إلى الله فنجواهم … في الليل تقديس وتسبيح
وقال عند دخوله الديلم وشروعه في الدعوة:
ولما أصبنا بشيخ العشيرة … وابن علاها ومنانها
وآسفنا مِلْعِدى مؤسف … من أغتام علج خراسانها
نصبنا لهم مدرها في الخطوب … طبا بها قبل حدثانها
حلاحله يستدبن الرجال … ويقضي فوادح أديانها
فلما تبين أسبابه … وأبصر فرصة إمكانها
نجا جبل الديلمين المنيف … يدعو إلى الله رحمانها
فساعد منهم بها عصبة … كأسد العرين بخفانها
ولا هرجات ومرقالها … يزجي المنايا بفرسانها
وأقبل يرقل في جمعه … بنخبة فتيان جيلانها
وليلى أجاب ولم ينتظر … وثار بأصحاب نعمانها
ونلنا المنى بأبي جعفر … وفارسها ليث شبانها
فسالت عساكرنا كالأتي … يضيق بها رحب قيعانها
الفارس الشجاع
لا غرو من اقتحام الإمام الناصر لهوات الحرب، وميادين البطولة غير هياب ولا وجل، فتلك الشجاعة النادرة، والفروسية الباهرة، لم تأته من فراغ، فهو سليل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، وفرسان الجهاد والبسالة، وابن صاحب ذي الفقار.
كان في الشجاعة وثبات القلب بحيث لا تهوله الجنود، ولا يفزعه العسكر المحشود، يخوض الغمرات، ويصرع الكماة، ويحطم الوشيح، ويثلم الصفائح، وكم له من مقامات مشهودة مشهورة، فاز فيها بالشرف الطائل، وكان يرد بين الصفين متقلدا مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ))، ثم يقول: فهذا كتاب الله، وأنا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، فمن أجاب إلى هذا وإلا فهذا ’ بلغ عدد القتلى في معركة من معاركه نحو 20000 ألفا .
نماذج قصصية للحاكم العادل
دخل الناصر الجيل والديلم، والناس يرزحون تحت حكم آل وهشوذان، يحكمونهم بالعسف والجور والإستعباد، فأزال تلك الرسوم الجائرة، واستنقذهم مما كانوا فيه من الضيم في الأنفس والأولاد والأموال، وحكم فيهم بالعدل والقسط.
قال في آخر خطبة له: (وأنتم أيضا معاشر الرعية، فليس عليكم دوني حجاب، ولا على بابي بواب، ولا على رأسي خلق من الزبانية، ولا علي أحد من أعوان الظلمة، كبيركم أخي، وشابكم ولدي، لا آنس إلا بأهل العلم منكم، ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم)
روي أن بعض عماله ممن رضيه من عمال آل طاهر، حمل إليه ستمائة ألف درهم، فامتنع من أخذها، وأمر بإخراجها من البيت، فقال له الرافع: كان آل طاهر عدولا، والناس راضون بذلك فما عليك في أخذها ؟! فقال: أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لا ابن طاهر .
نادى غلاما له يسمى جبرا ثلاث مرات فلم يجبه، فلما أطال عليه قال مجيبا: (مره) أي: لا تعش، فقال الناصر: مسكين أضجرناه .
فأحبه الناس لذلك حتى أنه حين عودته من القلعة، ودخوله آمل استقبله أهل البلد، صغيرهم وكبيرهم وكان على بغلة، فكاد الناس يقلعون بغلته من الأرض لازدحامهم عليه وخدمتهم له، وهو يدفع الناس عن نفسه بطرف مقرعته إذا تكابسوا عليه تمسحا به، وتقبيلا لرجله، حتى كادوا يزيلونه عن المركوب يشير بها وينحيهم عنه.
الإمام الرياضي
لم يكن الإمام الناصر يعمل على إصلاح القلوب وهداية العقول فحسب، بل كان يرى أن بناء الأجسام ورياضتها، لتقوى على مقارعة الأقران، والدفاع عن الدين من الأهمية بمكان، فكان يلعب بالكرة معتليا صهوة جواده، قبل البدء في إملاء الحديث، والعلماء والفقهاء ينتظرونه، وقد جاوز السبعين عاما.
تحالفه مع ملك الديلم وجهوده الدعوية
علم ملك الديلم جستان بنزول الناصر الاطروش في دامغان فارسل الرسل للاطروش يعرض عليه المبايعة والنصرة وذلك لأن جستان كان يكن المودة والاحترام للناصر الاطروش ولكن الناصر رفض ذلك لتخوفه من عدم وفاء ملك الديلم بعرضه وبعد ان كرر جستان طلبه معززا بالعهود والمواثيق وافق الناصر الاطروش على طلب جستان فاجتمع عليه الديلم ومن هنا بداء دور الناصر الاطروش الدعوي والعسكري حيث كان الديلم يعتقدون بالمعتقد الوثني ولكن بمجيء الناصر الاطروش لتلك البلاد أخذ الديلم يعتنقون الدين الإسلامي ولفترة قصيرة استطاع الناصر الاطروش جعل الديلم جميعا من معتنقي الديانة الإسلامية إلى يومنا هذا
العمل العسكري
ادرك السامنيون تنامي قوة الحسن الاطروش في الديلم وخوفا من سقوط طبرستان في ايدي العلويين مرة أخرى تم إرسال جيش بقيادة أحمد بن إسماعيل الساماني للقضاء على حركة الاطروش واتباعه علم الناصر بذلك فجهز جيشه من الديلم والتقى الطرفان قرب جالوس على ساحل بحر الخزر (بحر قزوين) وكان النصر حليف الامام الناصر في تلك المعركة الفاصلة التي ادت إلى سقوط طبرستان من ايدي السامنيين ودخل الاطروش مدينة امل عاصمة طبرستان منتصرا، كما كان يذهب إلى المجوس يحمل القران الكريم وسيف ويقول لهم:
“هذا كتاب الله وانا ابن رسول الله فإما هذا ولإ فهذا”.
من كراماته عليه السلام:
قبل أنه قصده بعض الأعداء وهو منفرد وليس عنده سلاح فتناول من صخرة عظيمة فألانها الله له، وموضع يده الشريفة هنالك يتبرك بأثره.
ومنها: أنه توجه إليه بعض الملوك لحربه فاشتغل أصحابه بذلك، فخرج عليهم يوماً، وقال: قد كفيتم أمر الرجل، قد وجهت إليه جيشاً، فقالوا: ومتى أنفذتهم؟ فقال: صليت البارحة ركعتين ثم دعوت الله عليه، فورد الخبر أن الله أهلكه. وكراماته كثيرة شهيرة.
وقيل أنه شوهد في الليلة التي فاضت روحه إلى بارئها نور ساطع من الدار التي هو فيها إلى عنان السماء.
وفاته ومرقده
وكان من آخر ما قاله الإمام الناصر عليه السلام من الشعر قصيدة أولها:
أناف على السبعين ذا الحول رابع … ولا بد لي أني إلى الله راجع
وصرت إلى حد تقومني العصا … أَدبُّ كأني كلما قمت راكع
توفي عليه السلام بآمل، وهو ساجد ليلة الجمعة (25) شعبان سنة (304هـ) وله (74) سنة، ودفن بآمل بطبرستان، وقبره مشهور
المصادر:
- الحدائق الوردية
- الشافي
- تتمة المصابيح
- والحدائق الوردية
- وتتمة المصابيح .
- محقق كتاب الاحتساب للدكتور الشهيد عبدالكريم جدبان (باختصار وتصرف)