Herelllllan
herelllllan2

مدينة زبيد.. مدينة التاريخ والحضارة في قلب اليمن

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

زبيد .. حينما يتحدث التراث بلغة الحضارة

عندما نتحدث عن تاريخ اليمن وذاكرته الحضارية، فإننا لا نستطيع أن نتجاوز مدينة زبيد، المدينة التي تمثل لوحة متكاملة من العمق التاريخي، والعراقة العلمية، والهوية الثقافية المتجذرة. هذا التقرير لا يأتي فقط لاستعراض المعالم والآثار، بل ليغوص في أعماق مدينة شكّلت ملامح الفكر اليمني الإسلامي، وساهمت في بناء الهوية الإيمانية لليمنيين على مدى قرون.

تحت ظلال نخيل تهامة، وفي حاراتها العتيقة التي تفوح منها رائحة التاريخ، تنبض زبيد بالحياة من جديد رغم ما يتهددها من اندثار. من مساجدها الشامخة ومدارسها الفقهية إلى الأسواق الشعبية التي ما زالت تعجّ بالحرف اليدوية والنشاط الاجتماعي، ومن الموروث الشعبي إلى الحضور المعاصر في ظل المسيرة القرآنية، يتوزع المشهد الزبيدي على محاور تاريخية وثقافية واجتماعية تستحق التأمل والتوثيق.

في هذا التقرير الصحفي، نقدم قراءة شاملة لمدينة زبيد، نستعرض فيها ماضيها التليد، وحاضرها الثقافي، وتركيبتها الاجتماعية، وما تمثله من رمزية وطنية ودينية في وجدان اليمنيين.

 زبيد قبل الإسلام وبعده

تُعد زبيد من أقدم المدن اليمنية، ويعود تأسيسها إلى ما قبل الإسلام، حيث كانت منطقة مأهولة بالسكان وعرفت بموقعها الاستراتيجي وخصوبة أراضيها الزراعية.

لكن تأريخها الحقيقي بدأ مع العصر الإسلامي، إذ تأسست كمدينة رسمية عام 204هـ (819م) على يد الأمير محمد بن زياد مؤسس الدولة الزيادية، وجعلها عاصمة لدولته. ومنذ ذلك الحين، أصبحت زبيد مركزًا مهمًا للعلم والدعوة الإسلامية، واشتهرت بمدارسها الفقهية والشرعية، وخرجت منها كوكبة من العلماء والفقهاء .

زبيد.. مدينة العلم والمساجد

في القرن الرابع الهجري، كانت زبيد تُلقب بـ”العاصمة العلمية لليمن”، واشتهرت بجامعاتها ومدارسها، وعلى رأسها المدرسة الأشرفية، والتي كانت مركزًا لتدريس الفقه واللغة العربية والعلوم الإسلامية. تضم المدينة اليوم أكثر من 80 مسجدًا، أقدمها الجامع الكبير الذي بُني عام 204هـ.

العادات والتقاليد والموروث الشعبي

لا تزال زبيد تحتفظ بعاداتها الأصيلة، خاصة في المناسبات الاجتماعية كالأعراس، حيث يتم إحياء الليالي بـ”الزوامل” و”البرع التهامي” و”الشيلات”، وتُرتدى الأزياء التقليدية التي تميز أهل تهامة.

وتشتهر المدينة بصناعة المراوح اليدوية (المعاصير)، والفخاريات، والحناء التهامية، إلى جانب حرف يدوية أخرى تعكس الارتباط الوثيق بالموروث الشعبي.

الأسواق الشعبية والحرف اليدوية

تمتاز مدينة زبيد بأسواقها الشعبية التي تعتبر مرآة حقيقية للثقافة التهامية واليمنية بشكل عام. فلا تزال سوق الأربعاء الأسبوعية قائمة، وتُعد واحدة من أهم الأسواق التي يلتقي فيها الباعة والحرفيون من مختلف المناطق.

وتشتهر زبيد بالعديد من الحرف اليدوية التقليدية التي توارثها السكان جيلاً بعد جيل، أبرزها:

صناعة الفخار: من أباريق الماء، والمجامر، وأواني الطبخ الفخارية.

النسيج اليدوي: مثل العباءات والأحزمة التهامية المطرزة يدويًا.

صناعة المعاصير (المراوح اليدوية): وهي مصنوعة من سعف النخيل وتُستخدم في البيوت التهامية للتهوية.

صناعة الحُلي الفضية التقليدية: التي تلبسها النساء وتُباع بكثرة في المناسبات.

وتُعد هذه الأسواق والحرف موردًا اقتصاديًا هامًا لأهالي المدينة، كما تمثل بعدًا ثقافيًا يربط الحاضر بالماضي ويجسد الهوية اليمنية الأصيلة.

الدور الثقافي والتنويري

ساهمت زبيد في نشر العلم والمعرفة في اليمن والجزيرة العربية، واعتُبرت من أوائل المدن اليمنية التي احتضنت المدارس النظامية. وكان طلاب العلم يتوافدون من شتى أنحاء اليمن وبلدان العالم الإسلامي للدراسة فيها، وتُصنف زبيد ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو،

زبيد في عهد المسيرة القرآنية

مع بروز المسيرة القرآنية كحركة إيمانية تحررية، كان لمدينة زبيد حضورها الكبير في احتضان الوعي القرآني، وبرزت في الفعاليات الثقافية والمناسبات الدينية، وأصبحت منبرًا لنشر الثقافة القرآنية بين الناس، خصوصًا من خلال المدارس الصيفية، والأنشطة الدعوية التي تشهدها المدينة بشكل دوري.

التركيبة الاجتماعية وهوية الإيمان

يتكون مجتمع زبيد من فئات متنوعة، لكنها مترابطة ومتجانسة، تتسم بالكرم والضيافة والتمسك بالدين. يتمتع سكان المدينة بهوية إيمانية راسخة، تجلت في مشاركتهم الواسعة في المناسبات الدينية، وحرصهم على الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية الأصيلة.

زبيد في مواجهة مشاريع الغزو والاحتلال

لطالما كانت زبيد في مقدمة الصفوف الشعبية والعلمية في مواجهة كل أشكال الغزو والاحتلال، بدءًا من مقاومة الاحتلال البرتغالي في السواحل اليمنية، مرورًا بمواقفها ضد الاحتلالين العثماني والبريطاني، وصولًا إلى رفضها الحازم لمشاريع الغزو الأمريكي الصهيوني المعاصر.
وقد ساهم أبناء زبيد من العلماء والمثقفين والمجاهدين  في التعبئة الشعبية والدينية ضد الهيمنة الأمريكية، من خلال إقامة الندوات والمحاضرات التوعوية والمشاركة في المسيرات المنددة بالجرائم الصهيوأمريكية بحق أبناء غزة ، والتعبئة الثقافية والدينية في المساجد والمدارس، والانخراط في المعسكرات التدريبية الجهادية والدفاع عن الوطن.

الختام..

مدينة زبيد ليست مجرد طينٍ وحجارة، بل هي سجل مفتوح لتاريخ الأمة اليمنية الإسلامية. وهي اليوم، رغم كل التحديات، تواصل دورها في حمل راية الإيمان والمعرفة، وتُعدّ شاهدة حية على عبقرية الإنسان اليمني وقدرته على صنع الحضارة.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com