الفساد الكوني كأثر للانفصال عن الهداية .. القراءة القرآنية العملية في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
يمثل الخطاب القرآني في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) بوصلة فهم وتحليل الواقع، ومفتاحًا لبناء الوعي الإيماني العملي المتجذر في الواقع، وفي قراءته للآية الكريمة: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، يقدّم الشهيد القائد رؤية فكرية متكاملة، تنتقد بعمق المفاهيم المغلوطة السائدة، وتعيد تشكيل الوعي برسالة الإنسان، وموقع الدنيا من الدين، وتكشف العلاقة بين الوعد والوعيد الإلهي من جهة، وحالة الأمة من جهة أخرى.
يمانيون / خاص
مركزية مهمة الإنسان وارتباطها بخلافة الله ![]()
الشهيد القائد ينطلق من تأصيل جوهري ، بأن مهمة الإنسان هي خلافة الله في الأرض، وهي مسؤولية واسعة النطاق، تشمل عمارة الأرض، وإقامة العدل، ومقاومة الفساد، وكل ذلك على هدي الله لا وفق أهواء البشر، وبالتالي، من يخرج عن هذا الهدي يكون مفسدًا في الأرض، وينتج عنه فساد ظاهر في البر والبحر، تمامًا كما وصفت الآية، القراءة هنا تتجاوز التفسير الظاهري للآية لتجعلها مرآة لواقع الأمم؛ فالفاسد لا ينتظر العقوبة في الآخرة فقط، بل يعيش آثار فساده عقوبة في الدنيا.
تفكيك المفهوم المغلوط للدنيا والدين
ينتقد الشهيد القائد فهمًا سائدًا اختزل الدين في طقوس مرتبطة بالآخرة فقط، مع تجاهل لحقيقة وعد الله ووعيده في الدنيا، فالدين هو مشروع حياة، وميدان ابتلاء عملي، وموقع نزول البركات أو حلول العقوبات، لقد حصر الناس الوعيد في النار فقط، وغفلوا عن الآيات التي تتحدث عن العقوبات الإلهية في الدنيا، وفُهم الصبر على الذل، والهوان، والفقر، كعبادة، بينما هي حالات عقوبة أصاب الله بها من أعرض عن هديه، لكن دون وعي من الأمة، وهنا يتجلى البُعد النقدي القوي في خطابه، حيث يحمّل الأمة مسؤولية ما تعيشه من ذلة واستضعاف، باعتباره نتيجة واقعية لترك الهداية، وليس ابتلاءً مفصولًا عن أفعالها.
شمولية الوعد والوعيد الإلهي في الدنيا والآخرة
يبني القائد فكرته المركزية في هذا الخطاب على قاعدة قرآنية صلبة، مدعّمة بالآيات، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا…}، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ…} ، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا…} ، هذه الآيات كلها وعود إلهية في الدنيا، لا مجرد بشارات للآخرة، وعلى الجانب الآخر، هناك وعيد في الدنيا أيضاً ، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ…} ، {ظَهَرَ الْفَسَادُ… لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} ، الشهيد القائد يرى أن هذه السنن ثابتة، وأن كل ما يصيب الأمة من ذل، قهر، استضعاف، فقر، فساد، هو نتيجة عملية للانحراف عن نهج الله، وبالتالي فإن الإيمان الحقيقي يتجلى في فهم هذه السنن، والعمل لتغيير الواقع بما يعيد الناس إلى طاعة الله وهديه.
أثر الإيمان بالجنة والنار واليوم الآخر
الشهيد القائد يُعيد تعريف الإيمان بالله ليكون إيمانًا فعّالًا، لا إيمانًا تجريديًا مشلولًا، فمقتضى الإيمان بالله بأنه “غفور رحيم”، يقتضي أيضاً الإيمان أنه “شديد العقاب”، وإهمال هذا الجانب من أسماء الله وصفاته، يُنتج إيمانًا ناقصًا، غير دافع نحو العمل أو الخوف من الله، وهنا يؤسس الشهيد القائد لمفهوم متوازن للتوحيد، يجمع بين الرجاء والخوف، المحبة والرهبة، الغفران والعقاب، تمامًا كما بيّنها القرآن.
دلالة الآية في سياق الواقع المعاصر
في ضوء هذه الرؤية، تتجلى الآية {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ، كدلالة مباشرة على واقع الأمة، إذ أن مظاهر الفساد السياسي، الاقتصادي، الأخلاقي، إنما هي نتاج لترك هدي الله، ونتيجة حتمية لضعف الوعي بعلاقة الدين بالحياة، وهنا الشهيد القائد لا يقرأ الفساد كحدث عابر، بل كإنذار قرآني على أن الأمة تمر بمرحلة وعيد دنيوي، تحتاج إلى وعي نهضوي يعيد لها علاقتها بالقرآن، ويصوب المفاهيم المغلوطة.
خاتمة
يُعيد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، في قراءته الدلالية والحركية إحياء البعد العملي للقرآن، ويؤسس لتصور قرآني شامل يربط بين الدنيا والآخرة، وبين الغيب والواقع، وبين الإيمان والعمل، فالآية ليست مجرد تقرير عن فساد كوني، بل تشخيص لحالة أمة، وتوجيه نحو الحل، العودة إلى هدى الله، واستيعاب سننه، والإيمان بوعده ووعيده في الدنيا والآخرة.