خلفيات الموقف الأمريكي..رؤية دينية وعقائدية
عبدالمؤمن محمد جحاف
منذ عقود طويلة يتضح أن الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية وصراع الأمة مع الكيان الإسرائيلي ليس مجرد انحياز سياسي أو اصطفاف تكتيكي إلى جانب الكيان الصهيوني، بل هو انغماس كامل في المشروع الصهيوني نفسه، عقيدةً وسياسةً وممارسةً.
الأمريكيون لا يقفون عند حدود الدعم التقليدي لإسرائيل، بل ينظرون إلى هذا المشروع باعتباره مسؤولية دينية مقدسة تقع على عاتقهم، تنطلق من قناعات عقائدية وتصورات توراتية تجعل من التمكين لإسرائيل الكبرى هدفاً مصيرياً.
إن المشروع الصهيوني بطبيعته تدميري، يستهدف الأمة الإسلامية والمنطقة بأسرها تحت لافتات “تغيير الشرق الأوسط” و”إسرائيل الكبرى”. ومن هذا المنطلق يدعو السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الأمة الإسلامية، بنخبها وجماهيرها، إلى التأمل بعمق في خلفيات الموقف الأمريكي، وعدم الاكتفاء بقراءة سلوك واشنطن كأنه مجرد خطوات سياسية ظرفية. فالمسألة أخطر من ذلك؛ إذ هي نابعة من رؤية دينية–عقائدية تعتبر إبادة الأمة الإسلامية، ومصادرة حقها في الأرض والكرامة، مهمة مقدسة في سبيل تكريس الهيمنة الصهيونية.
هذه الخلفيات العقائدية الممزوجة بأطماع سياسية واقتصادية رهيبة، تجد أمامها واقعاً إسلامياً وعربياً منكشفاً، وسياسات رسمية تتجه في الاتجاه الذي يمكن الأعداء من تحقيق أطماعهم. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما يجري في الساحة الفلسطينية؛ حيث لم تتورع الإدارة الأمريكية عن فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية نفسها، بل ومنعت رئيس السلطة وأعضاءها من حضور اجتماعات الأمم المتحدة، في رسالة واضحة عن استخفافها بكل ما يسمى “عملية السلام”. فهل يمكن لشعب محاصر ومصادر الحقوق أن ينتظر من عدو كهذا أن يمنحه دولة؟
لقد بات واضحاً أن الرهان على الموقف الأمريكي ليس سوى سراب. فالأمريكيون يجاهرون بانتمائهم الكامل للمشروع الصهيوني، ويعملون على مصادرة أي حق فلسطيني أو عربي، بل ويمارسون استخفافاً غير مسبوق بالشعوب العربية. وقد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكل صراحة إنه مستعد لإهداء أي أرض عربية لإسرائيل، في إعلان فجّ عن الاستخفاف بالأمة وحقوقها وسيادتها.
إن كل حديث عن “السلام” برعاية أمريكية ليس سوى غطاء للاستسلام والتدجين. فكيف يمكن لعاقل أن يسمي أمريكا، التي تتبنى المعتقد الصهيوني كجزء من عقيدتها الدينية، “راعية سلام”؟ إن ذلك ليس مجرد خطأ في التوصيف، بل كارثة كبرى وجرم بحق الأمة.
من هنا تتجلى الحقيقة بوضوح: خيارات “السلام” التي تطرحها واشنطن ليست سوى أوهام، وأي رهان على أمريكا هو مقامرة خاسرة. والأمة الإسلامية والعربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إدراك خلفيات هذا الموقف الأمريكي، ووعي طبيعة المخطط الصهيوني الذي يدار من واشنطن قبل تل أبيب، وإلا فإنها ستظل تتخبط في سراب قاتل لا ينتهي.