Herelllllan
herelllllan2

فريضة الحج وخيانة الأوطان

بقلم / عباس الديلمي

قبل أن يتوقف “مهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزيون” بمجيء ما سُمي بالربيع “العربي” أو بدخوله إلى مصر، كنت اتشرف بدعوتي من إدارة المهرجان واختياري عضواً في لجان التحكيم.
ومنذ العام 2007م سمحت إدارة المهرجان لكلية الإعلام بجامعة القاهرة أن تختار بعض طلابها للمشاركة في لجان التحكيم كمستمعين بغرض الاستفادة من المداولات والمعايير التي على أساسها تقيم الأعمال – المتنافسة لنيل الجوائز – واختيار الأعمال الفائزة.
وبمناسبة حلول موسم الحج ، أتذكر أنه في أحد المهرجانات كان معنا في لجنة التحكيم طالبة في السنة الرابعة لكلية الإعلام، ولكونها مسيحية الديانة، فقد استغلت إحدى فترات الاستراحة ، وطلبت مني الحديث عن الحج عند المسلمين وطرحت بعض الأسئلة عن الحج وجذوره الجاهلية وشعائره
ودلالاتها ، وكيف أبقى الإسلام عليها كشعائر تميل إلى ما هو حسي ومادي ، وهو أي الإسلام يقوم على التجريد وما هو روحاني ووجداني…الخ.
وقد تضمنت إجابتي على ما طرحته من استفسارات ما أوجزه بالقول : لقد أبقى الإسلام على الحج وجعله ركناً من أركان الإسلام – لمن استطاع – بعد تهذيب شعائره لما يحمل من معان ودلالات توحيدية وإنسانية وقيمية وتربوية أيضاً.
حيث جعل من بناء الكعبة المشرفة والطواف حولها وتقبيل حجرها الأسود – وإن بالإيماء – دلالة على واحدية الرمز، كما جعلها قبلة التوجه في الصلاة ليحس الكل – وإن تنوعت مذاهبهم – أن الكل يلتقي عند قبلة واحدة في صلاتهم وحجهم.
ومن دلالات الحج أيضاً حب الأوطان ونبذ من يخونها واحتقار من تورط أو من يقع في سقطة العمالة .. إذ يروى أن رمز الشيطان الأكبر الذي يرجمه
الحجاج بالجمرات هو مكان قبر المدعو “أبي رغال” الذي باع نفسه وارتضى أن يكون دليلاً لأبرهة الحبشي عند غزوه للكعبة، فكان علامة لا تنسى لمن يخون وطنه أو يبتاع بالعمالة.
كذلك حال السعي بين الصفا والمروة سبع مرات، إذ ظل يسعي لاحترام المرأة وإجلال الأمومة، إذ يسعى الحاج حيث كانت تسعى أمنا “هاجر” زوجة سيدنا إبراهيم وهي تبحث عن الماء لابنها بدافع وحب وغريزة الأمومة التي قدسها رسول الإسلام وقال “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبيك”.
أما الأضاحي وذبح الخرفان فترمز إلى إحياء وتعميق أهمية حق الإنسان في الحياة ، الحق الأكبر من أي واجب، وإن كان دينيا فقد افتدى الله سبحانه أبانا إسماعيل، عندما عزم أبوه سيدنا إبراهيم على ذبحه تقرباً حسب رؤياه في منامه، فتم المنع والفداء، حيث قال الله سبحانه “وفديناه بذبح عظيم” وفي هذا رمز إلى أن حقوق الإنسان تبدأ بحقه في الحياة وأن لا تفريط بها لأي سبب كان.
من دلالات ما يرمز إليه الحج عند المسلمين المساواة بين الناس فقيرهم وغنيهم ، الملك والخادم ، العربي وغير العربي، وذلك من خلال أداء
المناسك بثوب أبيض لا خياط ولا تمايز فيه، كما يؤدي الكل جميع مناسك الحج والمبيت في العراء والسعي والإحرام .. الخ.
وهكذا دار الحوار بما تخلله من أخذ ورد إلى أن تم التعريف بأن ما يبدو مبادلات حسية أو لها صلة بما هو مادي ما هو إلا رمز وتأكيد على ما هو متجرد غير مادي له الكثير من القيم الإنسانية والحقوقية والوطنية.
الظريف أن هذه الطالبة – لكونها امرأة – قد أعجبت بأن يجعل المسلمون من عمل قامت به أُمّ من أجل ابنها (هاجر) شعيرة من شعائر حجهم إحياء لعاطفة الأمومة، ولكونها تحب وطنها وتمقت من يخونه، فقد أعجبت أيضاً برجم المكان الذي دفن فيه (أبو رغال) الخائن لقومه ووطنه.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com