حاوره /جمال أحمد الظاهري

لا يرتقي شعب إلى أوج العُلا ….. ما لم يكن بانوه من أبنائه
حب الوطن من الإيمان, هكذا درسنا وعلى هذا القياس كانت فكرتنا عن المعتقد والوطن, وأنهما متلازمان يسيران في اتجاه واحد بانسجام تام.
أتت الديمقراطية في مراحل لاحقة من حياتنا كرؤية متطورة لتنظيم حياتنا وإنعاش حالة التنافس في ما بين الجماعات والأفراد وكوعاء ينظم ويضبط هذا التنافس وفق المصلحة الوطنية أيضاً.
انبهرنا بأنموذجها الغربي ورويداً رويداً اقتنع بها الجميع أو هكذا حاولوا أن يظهروا .. ما الذي حدث ولماذا أصبح حب الوطن يتعارض مع استقامة إسلامنا؟
لماذا انحرف خَطّا المعتقد والوطنية؟ لماذا تبدل الانسجام بينهما إلى تضاد لدى البعض؟
كيف تحول ديننا الإسلامي السمح إلى بضع وسبعين فرقة، واحدة فقط هي التي على الصراط المستقيم والبقية في جهنم والعياذ بالله؟
لماذا تسابقنا لاعتلاء رقاب بعضنا البعض باسم الدين والوطنية والنظرة الدونية لبعضنا البعض؟
أسئلة كثيرة تدور في ذهنك حين تقف على الواقع الذي تعيشه مع شخصية بحثت وتتبعت مراحل التاريخ الإسلامي والجماعات الدينية..
ضيفنا هو الأستاذ/ محمد طاهر أنعم – عضو الهيئة العليا لحزب الرشاد السلفي الذي تحدث لنا مطولاً حول المشهد الراهن اليوم وتعقيداته الماثلة .. في الحلقة الأولى من الحوار وتطرق في الحلقة الثانية إلى قضايا شائكة تتعلق بنشأة الجماعات الدينية .. ومرجعياتها .. وعلاقتها بالسياسة.. نتابع:

* باعتبارك باحث ودارس في الشأن الديني وبالأخص في أمور الجماعات والفرق .. برأيك أيهما يتبع الأخر الإرهاب أم التطرف؟
– بالطبع الإرهاب يتبع التطرف في الغالب .. وبحسب ما ألممت به في هذا المجال لسنوات طويلة عرفت أن 90% من الإرهاب ناشئ عن التطرف, ومنبته بعض الإطراف والجماعات والمذاهب الدينية التي تربي نشأها على أنهم هم الفرقة الناجية الوحيدة وأنهم الذين في الجنة, وأن منهجهم هو المنهج الصحيح 100%  والآخرون على ظلال وانحراف, فيبدأ التطرف ينمو في النفس يوماً بعد يوم, يرافق ذلك طبع مناهج وكتب ومحاضرات ودروس تنمي في الفرد الإحساس بالتفوق الديني والإحساس بأنه هو الذي على الحق فيبدأ التطرف وهذا التطرف جزء منه يتحول إلى إرهاب في محاولة لفرض الآراء بقوة السلاح أو المال أو بكليهما وهنا يجيزون قتل الآخرين أو إيذائهم, ومن اجل ذلك وإذا ما أردنا إيقاف هذا الإرهاب فيجب أن نحارب التطرف في المناهج التدريسية سواءً في المدارس النظامية أو الأهلية وفي المراكز الدينية والشرعية, وعلى الحكومات أن تفرض المناهج النظامية وإذا كان هناك غيرها فيجب أن يكون تحت إشراف وزارة التربية والتعليم والأوقاف والإرشاد والثقافة .. بحيث لا ينشئوا جماعات وجيوب متطرفة داخل البلد.
* أصابت العناصر المتطرفة العقيدة الإسلامية في مقتل أو لنقل كادت.. هل لهذه الجماعات سند أو أصل في الكتاب الكريم أو في السيرة النبوية المطهرة أو حتى مرجعية تاريخية؟
– نعم.. للأسف الشديد المرجعية التاريخية موجودة، هناك مرجعيات تاريخية للأسف كثيرة وموجودة، التطرف بدأ قديما من أيام الجيل الأول في الإسلام والقرن الأول الهجري بدأ التطرف والتشدد ونشأت مجموعة الخوارج، التي قاتلت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحاولت أن تغتاله أكثر من مرة حتى نجحت في النهاية باغتياله داخل المسجد وهو يصلي بالناس، وكذلك بعده قامت جماعة الخوارج على مدى قرون طويلة بتمردات وقتال واستهداف للعلماء وللحكام والمسلمين وكل من يعارضهم، وهذا موجود في تاريخنا، لا يمكن أن ننساه.. كما أنه وإضافة للخوارج نشأت جماعات كثيرة الإباضية في فترة معينة، الآن صارت معتدلة، لكنها في فترة معينة كانت متشددة، الأزارقة، فرقة النجدات، وجماعة الفجائية، ومجموعات أخرى نشأت في عصور متعددة، أيضا كان من بعض السنة جماعات تشددت، من بعض الشيعة هناك جماعات تشددت واستخدموا مع الآخرين السلاح والقوة، ونذكر منها دولة القرامطة التي كانت في الأحساء والبحرين في فترة من الفترات كان فيها نوع من العنف والتشدد، جماعات سنية حتى بغير السلاح يقوم بعض إفرادها ومن والمتعلمين المتشددين بالاعتداء يدويا كما حصل في بغداد، في بعض القرون مصادمات عنيفة بين ما يسمى الحنابلة والأشاعرة، وهي جماعات سنية كانت تستخدم الضرب داخل المساجد.

يوجد خلفية تاريخية، لكن الذي يعرف التاريخ ويدرسه ويقرأه مثلي أنا متخصص في التاريخ خلال دراساتي العليا في الماجستير والدكتوراه نعرف أن أكثر وقتنا في تاريخنا الإسلامي كان وقت تسامح وتعايش بين المذاهب في أكثر الدول، لو جئنا نقارن في فترات التطرف والعنف وفترات الاعتدال والتسامح، أنا تقريبا أعتقد أنها من 10 إلى 20% كان التطرف والعنف، بينما تعايشت المذاهب في بلدان كثيرة وخاصة اليمن، اليمن كان يقدم تاريخا جميل ورائعا من التسامح بين جميع المذاهب، في اليمن كانت الدولة الصليحية، وهي دولة شيعية إسماعيلية تحكم اليمن في القرن الخامس والسادس الهجري كانت دولة متسامحة جدا مع المذاهب الأخرى، وتعايش معها الشافعية والزيدية والأحناف وغيرهم.

وجاءت الدولة الرسولية التي كانت عاصمتها تعز في القرن السابع والثامن والتاسع الهجري وكانت دولة متسامحة جدا أيضا.. ثم انتهت وجاءت الدولة القاسمية وكانت دولة زيدية وتسامحت وحكمت في القرن العاشر والحادي عشر وكانت متسامحة مع الجميع.. تاريخنا في اليمن تاريخ تسامح ومحبة، ربما كان التطرف بالذات موجود في أماكن محددة بالذات وخاصة العراق عبر التاريخ، نعرف أنه كان فيه صدامات كثيرة، كذلك في نجد، كان فيه صدامات كثيرة عبر التاريخ.. لكن كان فيه دول التسامح هو الذي يغلب عليها، وخاصة مصر واليمن ودول جنوب شرق آسيا مثل اندونسيا وماليزيا، هذه لا تعرف الصدامات، ولذلك فتاريخنا هو تاريخ جميل، لكن المتطرفين يحاولون دائما من جميع التوجهات ويحاولون استجلاب مظاهر التطرف والتشدد لمحاولة إعادتها وتطبيقها للأسف الشديد.

* بالنسبة للأصل والسند العقائدي في الكتاب أو السنة المتفق عليها، هل هذا موجود.. أو على ماذا يستندون عندما يدعون للتطرف والتشدد باسم الجهاد أو النصرة للمذهب؟
– الأستناد على أساس فهم خاطئ لروايات وأحاديث ضعيفة، وأشهرها وأهمها في مشكلتنا هذه هو حديث ضعفه كثير من العلماء وهو حديث “تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة” يعني هذا الحديث بعض أهل العلم ضعفوه، ولكن ليست المشكلة هنا، وإنما المشكلة في تكملة الحديثة الزيادة، وهي أن أحد الرواة قال إن الرسول سئل من هي هذه الفرقة يا رسول الله، فقال هي ما كان وكذا، حدد أوصافها، وهذه الزيادة هي زيادة لا تصح منكرة، وقد قال الإمام ابن حزم “لا شك أنها من نسج الزنادقة أو وضع الزنادقة في هذا الدين” كل فرقة الآن معها زيادة على تفصيلها وعلى مقاسها، الزيادة التي تحدد ما هي الفرقة الناجية، ولذلك بعض الناس يضن أنه الفرقة الناجية لوحده والطائفة المنصورة، وباقي الأمة على ضلال ويجب قتالهم وجهادهم، وهذا الإحساس بالتفوق الديني هو أساس البلاء وهو أساس نشوء جماعات التطرف للأسف الشديد.

* يبدو أن الفرق التي أشرت إليها لا تظهر إلا عندما يلتقي الجانب الدعوي بالعمل السياسي.. هل تؤيد فكرة فصل النشاط العقائدي أو الدعوي عن العمل السياسي؟
– ليس بالضرورة أن يكون ظهور هذه الجماعات مرتبطاً بالسياسة، أنا أعرف من هذه الجماعات حسب دراستي وتتبعي لها الكثر، حتى تلك التي لا تتدخل في السياسة كثيراً، هي تحاول أن تفرض رأيها وفكرها حتى وهي بعيدة عن السياسة، ولنأخذ مثال، بالجماعات الوهابية النجدية المتشددة في السعودية، رغم أنها خارجة من السياسة ومسلمة الأمور السياسية لحكام آل سعود تماما، ولا يتدخلون في السياسة باعتبار دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله, لكنهم في نفس الوقت لا يقبلون بأحد داخل المجتمع في نجد أو في السعودية أن يقدم مذهبا آخر أو رأيا آخر، فيضجون ويصيحون ويدعون إلى سجنه، رغم أنهم من أبعد الناس عن السياسة.

ومن الأشياء التي أستغرب لها وأضحك أن بعض المتشددين يقولون أحيانا انظروا لا يوجد مسجد للسنة في طهران، وهم ينسون أنه لا يوجد مسجد للشيعة مثلا في الرياض، بل لا يوجد مسجد للشافعية في الرياض ولا للحنفية ولا للمالكية ولا للأشعرية، ولا لأي مذهب في العالم غير المذهب الحنبلي، بل أكثر من هذا لا يوجد مسجد للشافعية في جدة وهي منطقة شافعية عبر التاريخ منذ ألف سنة، لا يوجد الآن مساجد إلا على المذهب الحنبلي فقط.. فلا نريد أن نرمي الآخرين بالحجارة وبيتنا من زجاج، فالمسألة ليست مرتبطة دائما بالسياسة، وإن كان هذه الملاحظة جديرة بالاهتمام فعلاً، بالجماعات المتشددة إذا دخلت في السياسة فإنها تزيد تشددا للأسف الشديد وتزيد اندفاعا نحو فرض أرائها وإقصاء الآخر، ليس بسبب السياسة، لكن بسبب أسلوب التركيبة في الجماعات الطائفية وأسلوب التركيبة الفكرية والعقلية هي أسلوب إقصاء.. نحن الفرقة الناجية، إذا يجب أن نقصي الآخرين، فلما يدخل السياسة نحن الحزب الذي على الصواب فيجب أن نقصي الآخرين، فهو أسلوب التفكير، ولن نتخلص من هذا إلا بالتعليم الجيد.

* في معرض ردك في إجابة سابقة قلت إن الجماعة الوهابية بعيدة عن العمل السياسي.. لكن الثابت تاريخياً منذ بداية ونشأة نظام آل سعود أنه هناك ما يرقى إلى مستوى التحالف بينهما؟
– حسب دراستي المتعمقة لتاريخ الدولة اللسعودية الأولى والثانية والثالثة، أن الوضع اختلف، كان للعلماء الوهابيين، وبالذات المنتمين للشيخ محمد بن عبدالوهاب، أحفاده الذين يسمون الآن آل الشيخ كان لهم دور كبير جدا في السياسة وخلع بعض السلاطين والملوك وما كان يسمى بالأئمة، كان يسمى حكام الدولة السعودية الأولى والثانية بـ”الإمام”، لكن الدولة الثالثة هذه منذ الملك عبدالعزيز هو من أول من تسمى بالملك، كان في الفترة الأولى من حياته اسمه الإمام ثم غير إلى السلطان ثم أصبح الملك، وأولاده من بعده الآن الستة الذين تولوا الحكم كان يسمونهم بـ”الملك”.. فكان دور الحركة الوهابية وآل الشيخ قوي في الدولة الأولى والدولة الثانية، والفترة الأولى من أيام عبدالعزيز، لكن في الفترة الأخيرة بدأ عبدالعزيز يقلص صلاحياتهم وبدأ يجعلهم تابعين له بسبب التمرد الذي حصل من بعض المتشددين الوهابيين ضده، وحاول أن يجيش العلماء ضدهم، لكن العلماء بعضهم وقفوا معهم، حتى حصلت معركة عنيفة جدا اسمها معركة “السبلة” في نجد بين الملك عبدالعزيز والجيش النظامي وبين المتشددين الوهابيين الذي كان اسمهم حينها جماعة “إخوان من طاع الله”، وهي غير جماعة “الإخوان المسلمين” وليس لها علاقة، فقط تشابه في الأسماء، وكانت معركة كبيرة وقتل عبدالعزيز منهم وسجن كثيرا منهم ومن بعدها بدأ يضعف العلماء الوهابية وأصبح يمنع تدخلهم في كثير من الأشياء، فأصبحوا تابعين لآل سعود بعد أن كانوا مسيطرين، لكن بقي لهم شيء من السلطة مارسوا مثل ما تفضلت في أيام إزاحة الملك سعود وتعيين الملك فيصل، لكنها انتهت تماما في أيام أحداث “جهيمان” أيام الملك خالد سنة 1400هـ عام 1980م حين اقتحم جيهمان الحرم المكي، وهو من بقايا “إخوان من طاع الله”، ومعه مجموعة كبيرة من المتدينين وضربتهم القوات السعودية بالاستعانة بالقوات الفرنسية، وسيطرت عليهم بعدها، حاولت الحكومة السعودية محاربة الوهابيين المتشددين الذين لهم أفكار سياسية واستطاعت أن تدجن فكرا وهابيا جديدا لا يتدخل في السياسة أبدا في نهاية الملك خالد وبداية الملك فهد انتهى تأثير الوهابيين، الآن أصبح العلماء في نجد العلماء الوهابية أتباع لآل سعود، وما قاله آل سعود الملك الجميع يقول بعده آمين وحاضر، لقد انتهت القوة الكبيرة التي كانت أيام عبدالعزيز وقبله.

* مقاطعاً .. اسمح لي أن اختلف معك .. كان موقف مفتي المملكة السعودية في الحروب الدائرة في المنطقة التي يشنها النظام السعودي واضحاً فقد أيد العدوان السعودي على اليمن.. بل وأفتى بكفر أبناء اليمن، وهذا يتناقض مع ما أوردته في إجابتك.. فكيف نفهم ما فصلت؟
– بالنسبة للشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، هذا هو مفتي المملكة العربية السعودية الآن، وكان رئيس هيئة العلماء سابقا، وهو خطيب عَرفة منذ أربعين سنة تقريبا، لا يخطب أحد في عرفة إلا هو، وهذا مظهر من مظاهر الفساد عند آل سعود، وهذا الشيخ من مشائخ السلطة، نسأل الله تعالى لنا وله الهداية وحسن الختام.. وبالعكس الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ هو ينفذ المرسوم له والشيء المطلوب, وأنا أعرف أن مشائخ الوهابية منذ زمن طويل يعتبرون أي شيعي وأي زيدي مجوسيا، لكنهم لا يستطيعون أن يقولوا هذا بسبب أنه كانت هناك علاقات جيدة بين اليمن والسعودية، لكن أول ما سنحت لهم الفرصة، أخرجوا هذه الألفاظ “المجوس، قاتلوا المجوس” وأعرف أيضا أنهم يقولون حتى عن الشافعية في اليمن أنهم “صوفية قبورية” مشركين، لكنهم لا يستطيعون الآن البوح بهذه القضايا، وإذا ما حصل يوم من الأيام مشكلة بين السعودية واليمن أو المناطق الجنوبية أو الوسطى في اليمن سوف تخرج هذه الفتاوى “اليمنيين القبوريين” سوف يوصف أصحاب تعز وعدن وحضرموت بـ”القبوريين المشركين” هم فقط يخبئونها المتشددين الوهابيين.. فالشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ليس شخصية قوية، وهو شخصية ضعيفة، نحن نعرفه جيدا منذ سنوات طويلة، شخصية تابعة للنظام السعودي، وما يقوله النظام سيفعله، وهو مقيم في الرياض طبعا.

* هل الفشل في الممارسة أم أن الحزبية لا تناسبنا؟
ما زلنا بعيدين عن الفهم والممارسة لروح الديمقراطية.. عندنا هنا يتقاتل الناس داخل البيت، هذا مؤتمري وهذا إصلاحي وغيره، هذه علامة تخلف، الحزبية هي اختيار، نختار فقط يوم الانتخاب، وكل واحد يرجع إلى بيته وينسى الانتماء.. إذا قدمنا انتمائنا لأحزابنا وجماعاتنا الدينية ومذاهبنا على الانتماء للوطن والدين فنحن قوم متخلفون ولا يمكن أن ننجح، يجب أن يكون انتمائنا للدين وللوطن أولا قبل المذاهب والأحزاب..
وهذا الذي جعل الدول الغربية الآن تتطور، المواطن الأمريكي والأوروبي يعرف أنه أمريكي أو أوروبي قبل أن يكون جمهوريا أو ديمقراطيا أو من حزب العمال أو من حزب المستقلين أو غيرها.. لكن للأسف في بلادنا الإصلاحي إصلاحي قبل أن يكون يمنيا, والمؤتمري مؤتمري قبل أن يكون يمنيا، وهنا أقصد البعض المتعصبين، وبعض الجماعات الدينية يقدم انتماءه لمذهبه قبل أن يقدم انتماءه للإسلام.. هذا هو سبب تخلفنا، يجب أن نكون مسلمين يمنيين قبل أن أي شيء آخر، إذا كانت الانتماءات الصغيرة ستسبب لنا صداما فلنتركها ولنلقي بها خلف ظهورنا، يكفي انتمائنا للإسلام، ويكفي انتمائنا للوطن لحل مشاكلنا، وهذا الذي يجب أن يكون.

* بناءً على كلامك.. يلاحظ على الأحزاب ذات الصبغة الدينية .. في أدبياتها أن فكرة الانتماء للوطن والمعتقد تشهد نوعاً من التضارب أو أنها متضاربة فعلاً.. الوطن يأتي كمرتبة ربما الثانية أو الثالثة.. هل ترى أن هذا الأمر يشكل تهديداً للأوطان أو عائقا لاندماج هذه الجماعات مع المجتمعات التي تعيش فيها؟
– هذا خطير جدا وسلبي، وهذا من أخطر الأشياء، وإذا لم تراجع الجماعات الإسلامية والجماعات الدينية نفسها في تقديم الانتماء للمذهب أو الجماعة على الوطن، فلتعلم أن مستقبلها مستقبل مسدود وأن جميع الدول العربية والإسلامية حتى الدول الغربية سوف تمنعها وتحضرها من ممارسة السياسة.. ما تشهده الآن بعض الدول العربية والإسلامية حتى للأسف بدأ ينتقل حتى عند بعض المسلمين من المتعصبين في الدول الغربية من تقديم الانتماء للمذهب أو للجماعة على الانتماء للوطن يسبب تناقضاً كبيراً ويسبب دفعاً للأوطان للحروب، يجب أن نقدم انتماءنا للدين وللوطن قبل أي شيء آخر.. هناك نوع الآن تشعر كلما حصلت مشكلة سياسية في أحد الدول العربية فإن بعض المتعصبين، أنا لا أقول كل الجماعات توجد جماعات وطنية نعرفها، لكن يوجد بعض المتعصبين في جماعات دينية يقدم انتماءه المذهبي أو الطائفي أو المناطقي أو انتمائه للجماعة المعينة على الانتماء للوطن فيعتبر جماعته هي الوطن ومذهبه هو الوطن يقاتل من أجلها ويفاصل من أجلها ويعادي من أجلها ويوالي من أجلها.. هنا تصبح هذه الجماعة خطر على الوطن، لن تجد مستقبلا كل الدول سوف تحضر هذه الجماعات وتمنعها من ممارسة السياسة إذا استمرت في هذا الأسلوب، يجب أن نتنازل أحيانا إذا رأينا الخطر على الوطن كله يجب أن نتنازل عن مصالح الجماعة لأجل الوطن، أما الاستمرار في التعصب سيصل بنا أن يقتنع الناس في كل مكان أن هذه الجماعات استمرارها خطر.

* المشكلة أنهم يقدمون التعصب المذهبي باسم التعصب للدين والمعتقد.. كيف نفصل بين ذلك؟
– هذا بسبب التربية المتعصبة، يوجد دروس مسجدية ويوجد معاهد دينية لجميع المذاهب، هذا ليس مختصاً بمذهب واحد أو جماعة واحدة، حسب متابعتنا التاريخية والسياسية والاجتماعية نعرف أن هذا موجود في كل المذاهب، لكنها تتفاوت من مكان إلى آخر، ومن دولة إلى دولة، ومن مذهب إلى مذهب.. دائما حيث يوجد الانغلاق ويكون مجتمعاً منغلقاً لا يحتك بالآخرين، فإن منسوب التعصب يزيد، ومنسوب محاولة تهديد الآخر وإلغاء الآخر وإقصائه يزيد, وكلما حصل انفتاح وتقارب كلما حصل نوع من التفاهم.

* برأيك ما هو المطلوب للتخلص من تبعات التطرف؟
للدول والحكومات دور إذا كانت الحكومة ضعيفة تجعل الجماعات الدينية تقوم بتدريس مناهجها دون إشراف حكومي، مثلما كان يحصل في اليمن للأسف الشديد طوال عشرين أو خمسة وعشرين سنة، أنا أعرف جيدا أن بعض المعاهد الدينية كانت تدرس التكفير للآخر، وكانت تدرس التحريض على الآخر بأنه رافضي ومجوسي، هنا في اليمن، سنوات كانت تدرس أن الآخر رافضي ومجوسي ويجوز قتله إذا حصلت القدرة، وكان يوجد أيضا بالعكس من يقول هذا الكلام هذا ناصبي ومرتد وخارج من الدين، كان يوجد أيضا في بعض المناهج تحريض حتى على الدول والحكومات أن الرئيس مرتد وأن الحكومة مرتدة وأن الجيش وأفراد الجيش هم كفار لأنهم مع دولة تعترف بالأمم المتحدة، هذا كان موجوداً في مناهجنا، وكنا نصيح قبل عشر سنوات بأنه يجب أن يتوقف هذا الشيء، لكن الدولة ضعيفة، ولذلك نمت هذه المناهج.. إذا لم تكن الدولة قوية فإن التطرف سوف يزداد، وبالتالي لا بد أن تضع الدولة يدها على المناهج الدينية والتعليمية وتمنع أي تطرف وأي دعوة للغلو وأي استهداف للآخرين عبر القتل والإقصاء يجب أن يتوقف وإلا فلا يمكن أن نتعايش.