تقرير دولي يكشف اختلاسات وتزوير داخل منظمة الصحة العالمية في اليمن

يمانيون |
تتواصل فضائح الفساد المالي والإداري داخل المنظمات الدولية العاملة في اليمن، لتكشف تقارير جديدة عن واحدة من أخطر القضايا التي تمس جوهر العمل الإنساني وتثير تساؤلات حادة حول مصير أموال المانحين المخصصة للشعب اليمني المنكوب.

فقد كشف تقرير صادر عن “مركز موارد مكافحة الفساد” (U4)، وهو مركز بحثي مستقل مقره النرويج، عن تورط منظمة الصحة العالمية في اليمن في ممارسات مالية وإدارية مشبوهة، شملت اختلاس أموال وتزوير كشوفات رواتب وتوظيف موظفين وهميين، إلى جانب عمليات صرف غير شفافة لملايين الدولارات تحت عناوين إنسانية.

وبحسب التقرير، فإن التحقيقات الداخلية لمنظمة الصحة العالمية نفسها أظهرت أدلة على وجود شبكة من الفساد داخل مكاتبها في اليمن، تضمنت تضخيم فواتير المشتريات، وتعيين موظفين على أسس غير مهنية، وصرف مكافآت ورواتب خيالية لمسؤولين كبار، فضلاً عن إنفاق مبالغ طائلة على مقرات فاخرة وإيجارات وسيارات مصفحة وتأمينات خاصة، في الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات اليمنية من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.

وتشير الوثائق التي اطلع عليها التقرير إلى أن ما يقارب 90% من الأموال التي تتلقاها المنظمة من المانحين يتم استهلاكها في نفقات تشغيلية وإدارية باهظة، بينما لا يتجاوز ما يصل فعليًا إلى البرامج الميدانية المخصصة لدعم القطاع الصحي 10% فقط من إجمالي التمويل.

هذه الأرقام الصادمة تعني أن الجزء الأكبر من المساعدات لا يذهب لإنقاذ حياة الناس، بل يُهدر في بنود رفاهية المسؤولين الأمميين ونفقات مكاتبهم ومشاريعهم الشكلية.

ويرى مراقبون أن غياب الرقابة الحقيقية على أداء المنظمات الدولية في اليمن فتح الباب أمام منظومة فساد منظم، تحولت فيها المساعدات الإنسانية إلى مصدر ثراء شخصي لموظفين ومسؤولين دوليين، وسط غياب الشفافية والمساءلة، وتواطؤ بعض الجهات الأممية في إخفاء الحقائق عن الرأي العام والجهات المانحة.

وتؤكد المصادر أن منازل فاخرة ومكافآت مالية ضخمة باتت سمة بارزة في حياة كبار موظفي منظمة الصحة العالمية في اليمن، في الوقت الذي تتكدس فيه المستشفيات الحكومية بالمصابين الذين لا يجدون أدويتهم ولا حتى أبسط وسائل الرعاية الصحية.

تداعيات هذه الفضيحة بدأت بالفعل تؤثر على موقف المانحين الدوليين، إذ أبدت جهات تمويل رئيسية قلقها من سوء إدارة الأموال وتضاؤل الأثر الإنساني للمشاريع المنفذة، وبدأت بعض الدول المانحة بمراجعة التزاماتها المالية تجاه المنظمة، في ظل تنامي الدعوات لإجراء مراجعة شاملة وإعادة توجيه المساعدات عبر قنوات أكثر شفافية وفعالية.

وفي المقابل، أطلق نشطاء يمنيون ومؤسسات مجتمع مدني حملات رقابية وشعبية واسعة، من أبرزها حملة “#أين_المال؟”، للمطالبة بكشف مصير التمويلات الضخمة التي تتدفق باسم الشعب اليمني، ودعوة المنظمات الدولية – وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية – إلى نشر نتائج تحقيقاتها الداخلية وتحمل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن أي فساد أو إهمال تسبب في حرمان ملايين اليمنيين من حقهم في العلاج والرعاية الصحية.

إن ما يحدث اليوم في أروقة منظمة الصحة العالمية في اليمن ليس مجرد خلل إداري، بل فضيحة إنسانية تمس مصداقية العمل الإغاثي الدولي برمّته، وتهدد بتحويل المساعدات من أداة إنقاذ إلى وسيلة لإدامة الأزمة واستنزاف معاناة الناس.

ففي بلدٍ دمره العدوان والحصار منذ سنوات، تصبح الشفافية والمساءلة واجبًا إنسانيًا لا يحتمل التأجيل، لأن كل دولار يُهدر في الفساد يعني حياة مريضٍ تُطفأ أو طفلٍ يُحرم من الدواء.

You might also like