دماءٌ تكتب الخلود.. وصايا الشهداء للأجيال

يمانيون| بقلم: بشير الصانع

في لحظةٍ من لحظات التاريخ الفاصلة، كتب الشهداءُ أسماءَهم في سفر الخلود بمدادٍ من دمٍ طاهرٍ وضياءٍ لا يخبو.. هم أُولئك الذين مشوا إلى الميدان بثباتٍ يزلزل الأرض، ووجوههم تشرقُ بنور اليقين، لا يرجون إلا وجه الله، ولا يبتغون سوى رضوانه.

إنهم الذين قالوا لله: “خُذْ منّا ما شئت؛ فحياتنا لك، وموتنا لك”؛ فكان جزاؤهم الخلود الأبدي في رحابه، ومقاماتٍ لا يبلغها إلا من باع دنياه بآخرته، وجسده بروحه، وحياته ببقاء الأُمَّــة.

يا لعظمة أُولئك الرجال الذين صدقوا الوعد؛ فما تراجعوا يوم خاف الناس، ولا انكسروا يوم عظُم الخطب، بل كانوا السند يوم انهارت الجدران، والنور حين عمّ الظلام، والعزّة في زمن الانكسار.

قاتلوا، لا بدافع الغضب، بل بدافع الحب..

حبٍّ لله، ولرسوله، وللأرض التي أنبتتهم، وللأُمَّـة التي حلموا أن تظل مرفوعة الرأس، مهما تكالب الأعداء.

أيُّ لغةٍ يمكن أن تصف قلوبًا تمشي إلى الموت مطمئنة؟ وأيُّ بيانٍ يمكن أن يترجم دمعة أم فخورةٍ بولدٍ ارتقى؟ وأي قلمٍ يستطيع أن يرسم ملامح شهيدٍ ارتقى مبتسمًا؛ لأنه رأى ما وعد الله به المؤمنين؟ إننا مهما كتبنا، تبقى الكلمات قاصرة؛ لأنها لا تُحيط بعظمة من قدّموا حياتهم قربانًا لله.

لقد وقف الشهداء في وجه الطغيان كالسدّ المنيع، وقالوا للباطل: “لن تَمُرَّ”.

حين جفّت الأقلام، كتبوا هم بدمائهم دستور الكرامة.

وحين غابت الكلمات، صاحت أجسادهم في وجه العدو: “هَيْهاتَ منا الذلة”.

تركوا لنا الأرض مبللةً بالعزّة، والسماء مملوءةً بالنجوم التي لا تغيب.

هم الذين جعلوا من كُـلّ ذرة ترابٍ على هذه الأرض قصة بطولةٍ تُروى للأجيال.

كم هو عظيمٌ أن تكون حياتك قصيرةً على الأرض، لكنها أطول من التاريخ في ذاكرة الأحرار.

الشهداء لم يموتوا، بل انتقلوا من دار الفناء إلى دار البقاء، من ضيق الدنيا إلى سعة الجنة، من صخب الحرب إلى سكينة الخلود.

إنهم الأحياء الذين نُحسد على استشهادهم، والمكرمون الذين نحيا بفضلهم.

يا أبناء الأُمَّــة، إنّ دماء الشهداء هي الرسالة التي خطّها الله بأيدي أوليائه، لتظلّ تسري في عروق الأحرار جيلًا بعد جيل.

كُـلّ نقطة دمٍ منهم هي وعدٌ لنا بالنصر، وصوتٌ ينادينا: “أكمِلوا الطريق، لا تتركوا الراية تسقط”.

نعم، إن الشهداء قد رحلوا، لكنهم ما غابوا.

تراهم في كُـلّ خفقة علم، وفي كُـلّ فجرٍ يشرق بعد ليلٍ دامٍ.

تسمع همسهم في صلوات المقاتلين، وتراهم في أعين الأطفال الذين يولدون أحرارًا لا يعرفون الانكسار.

لقد علّمونا أن الكرامة لا تُشترى، وأن العزّة لا تُمنح، بل تُنتزع بثمنٍ باهظٍ اسمه “الروح”.

أيها السائرون على دربهم، تذكّروا أنكم تحملون عبئًا مقدّسًا، وأنّ دماء الشهداء تناديكم في كُـلّ ميدان: لا تخونوا العهد، ولا تتركوا دماءهم تذهب سُدى.

فإن خان الناس، فأنتم أمناؤهم، وإن ضعُف الخلق، فأنتم قوتهم.

You might also like