السعودية في قلب مؤامرة الطائفية .. من رعاية الفتنة إلى استباحة الأمة

لطالما رُوّج في الساحة العربية لرواية مفادها أن جذور أزماتها تكمن في الانقسام المذهبي بين سنّة وشيعة، لكنّ الوقائع الميدانية، وخصوصاً ما شهدته غزة من تضامن عابر للمذاهب، أعادت طرح سؤالٍ مركزي، هل الخلاف جوهريٌّ مذهبي أم أنه صناعة سياسية تُستخدم لخدمة مشاريع أكبر؟ ومع اتساع الدائرة، تتنامى القراءة الواعية لحقيقة مفادها أن هناك من وظّف الطائفية كأداة لتسهيل مشروعات العدو الإقليمية والدولية، ولإضعاف كل من يقف في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي الاستعماري في المنطقة.

يمانيون / تقرير / خاص

 

الطائفية أداة سياسية
الخلاف المذهبي واقع له جذور تاريخية، لكن تحوله إلى أداة للتحكم والسيطرة، هو نتاج تحوّلات سياسية شهدها الشرق الأوسط خلال القرن العشرين وما بعده، والطائفية، وفق هذه القراءة، استُخدمت لتجزئة الداخل، لإضعاف الحركات الوطنية والمقاومين، ولشرعنة سياسات قمعية باسم الأمن الطائفي، والنتيجة كانت تشتتاً شعبياً وسياسياً جعل من الصعب تشكيل جبهة موحدة لمواجهة سياسات الاحتلال والهيمنة.

 

غزة .. فضاء اختبار للتضامن
ميدان غزّة أظهر أن العداوة الحقيقية لا تُقاس بخلاف عقائدي، بل بمَن يقف ضد المشروع الاستعماري والاحتلال، صور التضامن من جماهير ومجموعات ومؤسسات عبر مذاهب مختلفة، ورسائل الدعم التي وردت من مساحات مذهبية متعددة، أرخت بظلالها على فرضية أن محور المقاومة يتحدد بالموقف السياسي من الاحتلال لا بالانتماء الطائفي.

 

العدو الصهيوني وصناعة الخلاف .. قراءة استراتيجية
تطرح مناقشات وتحليلات عربية وإقليمية أن جزءاً من سياسة أطراف داعمة للمشروع الصهيوني كان استثمارًا لفتنة الطوائف لتفتيت الجبهة العربية والإسلامية، هذه القراءة تقوم على فرضية أن استمرار انشغال الشعوب بصراعات داخلية يسهل فرض وقائع على الأرض، سياسياً وجغرافياً، تخدم أطماع توسعية أو أمنية، هنا، لا تُعرض القراءة كاتّهام مباشر لأي مجموعة دينية، بل كنموذج تفسيري يشرح لماذا تراجعت قضايا مركزية كقضية فلسطين على حساب صراعات محلية.

 

المسيرة القرآنية .. نهج يرفض الطائفية ويوجّه البوصلة
تقدّم النصوص القرآنية وإرث النبي محمد صلوات الله عليه وآله، إطارًا أخلاقيًا وسياسيًا واضحًا لرفض الفتنة، ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) ونداء ((واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا)) يمكن أن تُقرأ كمنهج عملي لإعادة توجيه الطاقة الجماعية نحو مواجهة الاستعمار والاحتلال بدلًا من تبادل الاتهامات الداخلية، المسيرة القرآنية هنا تُعرض كخارطة طريق توحّد المسلمين على أسس العدالة والحرية، وتعيد توجيه بوصلة العداء نحو العدو الحقيقي الذي يهدد الأمة.

 

خلفية تبنّي بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية لحرب الطائفية
قراءات لمحلّلون عرب تحدثوا فيها عن سياساتٍ تبنّاها بعض صانعي القرار في المنطقة العربية، ترى فيها إمعانًا في رفع منسوب الصراع الطائفي كوسيلة لإضعاف خصوم إقليميين وسياسيين، وتشير هذه القراءات إلى عناصر متكررة، دعم سياسات داخلية وخارجية تُغذّي الانقسام، وقبول أو ترويج خطابٍ يبرز الاختلافات المذهبية كقِضايا مركزية، وتعاون دبلوماسي وأمني يؤدي عملياً إلى تهميش أو استهداف دولٍ وحركات مقاومة.

في هذا السياق، يذكر بعض المحللين أن السعودية بوصفها رقماً مركزياً في المنطقة، قد اتخذت مواقف وسياسات يُنظر إليها  على أنها ساهمت في تصعيد التوتر الطائفي  واستغلاله كأداة في لعبة توازنات إقليمية تهدف إلى إعادة رسم نفوذ في المنطقة. هذه القراءة لا تتجاهل التعقيدات، فالدول تتعامل وفق حسابات مصالح داخلية وإقليمية ودولية، وتغيّر سياساتها حسب موازين القوة، وأن هذه السياسات دفعت نحو مزيد من التشرذم، ما خدم بالنتيجة مناورات لتصفية حسابات إقليمية وخدمة للمشروع الصهيوني ، وتسهيل إجراءات سياسية باتت تهمّش قضايا المقاومة.

 

دور السعودية في تغذية الصراع المذهبي في اليمن

لم يكن اليمن بمنأى عن نار الطائفية التي أشعلها العدو الصهيوأمريكي في المنطقة العربية والإقليم، بل تحوّل منذ العام 2015 إلى ساحة مواجهة كبرى عكست حجم توظيف الانقسام المذهبي في حسابات السياسة الإقليمية، فمع اندلاع العدوان على اليمن، ظهر خطاب تعبوي مذهبي حادّ في الخطاب الإعلامي والديني السعودي، رآه محللون ومراقبون جزءًا من مشروع متكامل لتأطير الصراع في اليمن بصفته مواجهة سنيّة شيعية، رغم أن جذوره الفعلية سياسية وسيادية تتصل بالاستقلال الوطني وبالتحالفات الإقليمية،  وأدّت سياسات الرياض إلى تغذية الانقسام المجتمعي وتوسيع الفجوة بين المكونات اليمنية، عبر رعاية تحالفات داخلية على أساس مذهبي وتمويل تيارات دينية متشددة لعبت دوراً في تأجيج الكراهية الطائفية، كما شجّعت الوسائل الإعلامية المقرّبة من السعودية خطاباً يستحضر التاريخ الطائفي ويحوّله إلى أداة حرب نفسية وسياسية، وهذا الخطاب المذهبي لم يكن سوى ستارٍ لتبرير تدخل عسكري واسع النطاق يستهدف اليمن، وموقفه قيادةً وشعباً المناهض للهيمنة الأجنبية والمشروع الصهيوني في المنطقة.

لكن نتائج هذه السياسة الغبية كانت عكسية، فقد أسهمت في تعزيز وعي اليمنيين والتمسك بهويتهم وموقفهم وبخيار المقاومة ورفض الوصاية الخارجية.

 

من المستفيد من إبقاء الفتنة؟
المنفعة المباشرة من استمرار حالة الطائفية مشتعلة تعود على العدو الصهيوأمريكي الذي سخر الأنظمة العربية لخدمة مشروع الاستباحة وهذه الأنظمة تنظر إلى دورها في هذه الحرب بأنها تحصين لمواقعها واستقرار أمنها ،ووسيلة ضغط تسعى لتصفية خصومها السياسيين، بينما العدو الصهيوأمريكي يرى في الانقسام  الذي تعمل عليه هذه الأنظمة المطبعة والعميلة، فرصة لترسيخ وقائع جيوسياسية، والنتيجة المشتركة أن القضية الفلسطينية والقضايا الوطنية الكبرى تُهمل أو تُهدر في زوامير الخلاف الداخلي.

 

الإعلام وكشف الزيف
الإعلام الذي يُبسط المشهد إلى صراع مذهبي يخدم روايات تُقنع الجمهور بسرعة، لكنه يخفق في نقل تعقيدات السياسة والتحالفات، بالمقابل، حين يعلو صوت الميدان، كما في غزة، تظهر حقيقة العلاقات المتقاطعة، تضامن يتخطى المذاهب، وجدليات تحالف لا تُقاس بالانتماءات الطائفية.

 

غزة .. الساحة التي كشفت الأقنعة

ما شهدته غزة كان اختبارًا عمليًا، حكومات قد تبرر مواقفها أو تتقارب دبلوماسيًا مع معسكرات معينة، بينما شعوبها تُظهر تضامنًا واضحًا مع المقاومة، هذا التباين كشف أن مقياس الانقسام في كثير من الحالات يحدد بمَن يقف مع الاحتلال أو ضده، وليس بتفاوت المذهب.

 

ختاماً ..
إعادة قراءة المشهد السياسي في الشرق الأوسط تتطلب تمييزًا صارمًا للخصوم المصطنعين الذين يوظفون الطائفية لأغراض سياسية، غزة علمت أن الوحدة ممكنة عندما تُعاد البوصلة إلى قضايا العدالة والحرية، وإلى منهجٍ قرآني يُمقِتُ الفتنة ويجمع المسلمين تحت لواء الواجب الوطني والإنساني، إن تفكّيك أكذوبة الطائفية  والرجوع إلى روح الإسلام المحمدي بنبعه الصافي وفق المنهج القرآني، نحو بناء استراتيجية مواجهة حقيقية للعدو، استراتيجية تضع في مرمى ناظريها السياسات الاستعمارية والاحتلالية واستباحة الأمة، لا أبناء الأمة بعضهم لبعض.

You might also like