الهوية الإيمانية .. تعريف الله للمؤمنين ومسار الأنبياء عبر التاريخ

 الهوية الإيمانية ، تعريف إلهي حاسم حدّده الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ليكون عنوانًا لمسيرة واحدة، بدأت بالأنبياء والرسل، وامتدت بالأولياء من المؤمنين من بعدهم جيلاً بعد جيل،  وفي ختام سورة البقرة، يضع القرآن هذا التعريف في صيغة تقريرية لا تحتمل التجزئة أو التأويل الانتقائي، ليؤكد أن الإيمان هو إيمان واحد لا يتعدد، وطريق واحد لا ينفصل.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

تبدأ هذه الهوية من إيمان رسول الله صلوات الله عليه وآله، بما أُنزل إليه من ربه، ولا تقف عند حدود الاعتقاد، بل تمتد لتشمل المؤمنين جميعًا في مسيرة عملية ومسؤولية مستمرة، قال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْـمَصِيرُ ,, لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }.

وتضع هذه الآيات العظيمة تعريفًا إلهيًا جامعًا للهوية الإيمانية، وتقرّر للمؤمنين أن هكذا يجب أن يكون إيمانهم، وفق النموذج الذي جسّده أنبياء الله ورسله، وسار عليه عباده المخلصون عبر التاريخ، وفي هذا الإطار، قدّم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه قراءة وعيٍ وتدبر لهذه الآيات، اعتبر فيها أن الهوية الإيمانية ليست حالة ساكنة، بل مسيرة حياة تبدأ بالإيمان بالله وتنتهي بالثبات والجهاد في سبيله.

 

الهوية الإيمانية كما يعرّفها القرآن
يرى الشهيد القائد أن هذه الآيات تمثل وثيقة الهوية الإيمانية الكاملة، لأنها ترسم معالم الإيمان الذي يريده الله لعباده، لا إيمانًا منقوصًا أو مجتزأً، فالهوية الإيمانية بحسب هذا التعريف القرآني، تقوم على أن الإيمان بالله أساسًا ومنطلقًا، وعلى التسليم العملي والطاعة الواعية ’’سمعنا وأطعنا’’ ، وعلى تحمّل المسؤولية، ’’لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت’’ ، وكذا على الوعي بعدالة التكليف الإلهي ، ثم الوصول إلى الموقف الإيماني الواضح في نصرة الحق والثبات في سبيل الله ، وبذلك، لا تبقى الآيات في دائرة التلاوة، بل تتحول إلى منهج حياة ومعيار هوية.

 

 الإيمان في قراءة الشهيد القائد .. حركة لا جمود
يؤكد الشهيد القائد أن الإيمان في القرآن ليس فكرة مجردة ولا قناعة صامتة، بل قوة دافعة تغيّر الإنسان من الداخل، ثم تنعكس على موقفه في الحياة، فالإيمان الحقيقي يخلق إنسانًا مسؤولًا، واعيًا، ثابتًا، لا يتهرب من واجباته ولا يفصل بين ما يؤمن به وما يعيشه، ومن هنا، فإن أي إيمان لا يثمر سلوكًا، ولا ينعكس موقفًا، ولا يتحول إلى التزام عملي، ليس هو الإيمان الذي عرّفه الله في هذه الآيات.

طريق واحدة لا بدائل لها
يؤكد الشهيد القائد على أن الدلالة الأبرز في الآبات القرآنية هي أن طريق الإيمان واحدة، وأن الهوية الإيمانية واحدة، وأن اللقاء الحقيقي مع الرسول صلوات الله عليه وآله، لا يكون إلا بالسير في ذات الطريق، فلا لقاء مع الأنبياء، ولا انتساب صادق لمسيرتهم، إلا بإيمان يبدأ من الله، ويستمر بالطاعة، وينتهي بالثبات والجهاد في سبيله.

اكتمال الهوية .. من الإيمان إلى الجهاد

في ختام الآيات، يتجلى البعد العملي للهوية الإيمانية في الدعاء والموقف: {أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}.
ويرى الشهيد القائد أن هذا الختام ليس دعاءً معزولًا، بل إعلانًا لهوية مكتملة، حيث يصل الإيمان إلى ذروته في الجهاد في سبيل الله، بوصفه عنوان الثبات، ونصرة الحق، ورفض الخضوع للباطل، فالجهاد هنا هو ثمرة الإيمان، لا منفصلًا عنه، وهو التعبير العملي الأعلى عن الصدق الإيماني، كما كان حال الأنبياء والرسل وعباد الله الصالحين.

الهوية الإيمانية معيار لا شعار
بحسب هذه القراءة العميقة والعظيمة للشهيد القائد، تصبح الهوية الإيمانية ميزانًا تُقاس به المواقف، لا مجرد اسم أو ادعاء، فلا يُعد الإنسان من أهل الإيمان الكامل إلا إذا كان إيمانه متسقًا مع هذا التعريف الإلهي، عقيدةً وسلوكًا وموقفًا.

ختاماً 
تكشف آيات الهوية الإيمانية في القرآن الكريم ، كما قرأها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، عن تعريف إلهي صارم وواضح، هوية تبدأ بالإيمان بالله، وتتجسد بالطاعة والعمل، وتكتمل بالثبات والجهاد في سبيله.
إنها هوية الأنبياء، وطريق الرسل، ومسار أولياء الله المؤمنين عبر التاريخ، ومعيار الله للتمييز بين إيمان حيّ يصنع المواقف، وإيمان أجوف لا يتجاوز حدود القول.

You might also like