Herelllllan
herelllllan2

عن الحل السياسي

بقلم / د. أحمد صالح النهمي

قبل أيام تداولت الفضائيات تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي أشار فيه إلى أن الحل في اليمن سيكون سياسيا مؤكدا على دور الحوثيين في مستقبل اليمن، والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تحاول المملكة الآن أن تظهر بصوت العقل والحكمة بعد ما يقارب من خمسة أشهر تمثلت فيها كل ألوان الطيش والغرور والكبر والعنجهية في عدوانها الهمجمي على اليمن أرضا وإنسانا ؟
منذ ما قبل العدوان السعودي على اليمن وفي أول أيامه كان مفكرو العالم وسياسيوه بما فيهم كثير من مفكري المملكة والخليج يؤكدون للسعودية ومن معها من دول التحالف على أن الحل في اليمن لن يكون إلاَّ سياسيا يستوعب الجميع، ولا يقصي أحدا. فيما كانت المملكة تصر على الحل العسكري فقط للقضاء على (الحوثيين وصالح) قبل كل شيء، فسعت مع بعض مرتزقتها من الأحزاب اليمنية إلى إفشال الحل السياسي الذي كان اليمنيون بمختلف أطيافهم السياسية قاب قوسين أو أدنى من استكماله في حوارهم بالعاصمة صنعاء الذي ترعاه الأمم المتحدة عبر ممثلها السابق جمال بنعمر، فأعلنت الحرب على اليمن وباشرتها ـــ واليمنيون على طاولة الحوار ـــ متجاوزة بذلك طبيعة الأزمة اليمنية، وكل القوانين الإنسانية والأعراف الدولية، والشرائع السماوية والأرضية في عدوان سافر يعبر عن عقلية النفط الاستعلائية والتوحش الإنساني.
يرى البعض أن السعودية أدركت بعد هذه الفترة من الحرب بأنها وحلفاؤها لا يستطيعون مهما تكن قوتهم حسم المعركة في اليمن، وكل ما تستطيعه هو التدمير، وتشجيع الانقسامات الداخلية، ويمننة الحرب، ولذلك فقد آثرت أن تنتقل من مرحلة الحرب العسكرية المباشرة إلى مرحلة إدارة الصراعات والحرب غير المباشرة ، فهي من ناحية تقدم نفسها إعلاميا بصورة الحريص على الحل السياسي والتقارب بين الفرقاء، بما يؤكد للعالم وصايتها على اليمن وأنها صاحبة اليد الطولى في قراراته، فهي التي تحدد طبيعة الحل متى يكون عسكريا ومتى يكون سياسيا، وهي من تحدد القوى التي ستلعب دورا في مستقبل اليمن.
وهي من ناحية أخرى ستسعى إلى تحقيق أهدافها التي عجزت عنها آلتها العسكرية خلال الشهور السابقة عن طريق تشجيع الاحتراب الأهلي وفتح جبهات جديدة للإرهاب تحت مسمى المقاومة على أكثر من منطقة يمنية، وستكتفي بدعم مرتزقتها بالمال والسلاح على طريقة (بينهم يا قوم) بما يؤدي في النهاية إلى يمن ضعيف منهك القوى مجزأ الأطراف يتنازع على حكمه أمراء مرتزقة تستطيع من خلالهم أن تبسط سيطرتها على الممرات المائية في بحر العرب وخليج عدن.
إن من السخرية أن تتحدث المملكة عن الحل السياسي في اليمن في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة بكل ثقلها إلى إحباط توصل اليمنيين في مسقط إلى حل سياسي، وإفشال التقارب بين المكونات السياسية، ومن السخرية أيضا أن تتحدث عن الحل السياسي في وقت ما تزال طائراتها ترتكب أبشع جرائمها بحق المدنيين اليمنيين في طول البلاد وعرضها، فالتصريح لا يعدو الاستهلاك الإعلامي، ودغدغة المشاعر، والظهور بمظهر الموضوعي الحريص على لملمة الجراح وتقريب المسافة بين الفرق اليمنية المتصارعة.
ومهما يكن من أمر فلا بد أن تتوقف الحرب يوما ما وأن يتوصل اليمنيون إلى حلول سياسية تكفل لهم التعايش في ما بينهم وتحقق بناء الدولة المدنية العادلة، وقد ينسى اليمنيون جراحهم ويتعالون عليها، ولكن من الصعوبة بمكان أن ينسوا ما فعلته مملكة الشر والعدوان بحقهم، فقد تركت شرخا كبيرا في نفوس اليمنيين تجاهها لا تجبره صناديق الإعمار، ولا بنكنوتات التعويض، فثمة أشياء لا يجبرها المال مهما بلغ، هذه الأشياء هي التي عبر عنها الشاعر المصري أمل دنقل بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله :
أتُرى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com