أزمة ثقة بالله بدأت من قسوة القلب .. دلالة قرآنية عميقة يقدمها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (تفاصيل)
في زمن نحن فيه أحوج إلى أن نرتبط بالمعاني الدلالية للقرآن الكريم التي تربطنا بالله وتعزز ثقتنا بالله وتعزز ارتباطنا بهدى الله ، يطرح الخطاب القرآني سؤالاً يهزّ الوجدان ، ليحيي ضمير الأمة في قوله تعالى : ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾؟ ، هذا السؤال التحذيري، الذي ورد في سورة الحديد الآية (16)، لا يُخاطب الغافلين وحدهم، بل يخاطب المؤمنين أنفسهم حين تستغرقهم الحياة، ويغيب عنهم التفاعل الحقيقي مع وحي الله.
يمانيون/ تحليل/ خاص
الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، التقط هذه الآية ليفتح بها ملفاً روحياً وتربوياً بالغ الأهمية، أزمة خشوع القلب، وجمود التفاعل مع القرآن، وما يترتب على ذلك من قسوة، وغفلة، ثم فقدان الثقة بالله، وتدهور العلاقة الإيمانية الحقيقية، من سلسلة معرفة الله ( الثقة بالله ) .
بين السؤال القرآني والواقع الإسلامي ![]()
في استعراضه للدلالة في هذه الآية، يبيّن الشهيد القائد أن السؤال الإلهي بصيغة: “ألم يأن؟” يحمل في طياته عتابًا وتنبيهًا وتحفيزًا، وهو يعني ببساطة ، “ألم يحن الوقت بعد؟” أليس من الواجب أن تلين القلوب بعد هذا الكم الهائل من الآيات والمواعظ؟ ، وفي هذا، يضع القرآن إصبعه على جذر الخلل التربوي في حياة المسلمين، حيث يتحول الدين إلى روتين، وتُتلى الآيات بلا تفاعل، وتُقال الخطب بلا أثر، حتى يفقد الإحساس بالمعنى.
التحذير من المسار التكراري الذي أصاب أهل الكتاب
يربط القرآن بين غفلة المؤمنين اليوم وغفلة بني إسرائيل بالأمس ، حيث يوضح الشهيد القائد أن الآية تحذر من أن يصبح المسلمون كأهل الكتاب الذين: “طال عليهم الأمد فقست قلوبهم” ، لقد سمعوا وقرأوا كثيراً، لكن دون تفاعل حقيقي، فكانت النتيجة أن قست قلوبهم، حتى فسق أكثرهم، واستُبدلوا، وسُلِبوا ما منحهم الله من نبوة وحكمة وملك.
ويحذر القائد من أن الروتين الديني قد يصيب الأمة بنفس المصير، سماع بلا أثر، قراءة بلا تدبر، مناسبات دينية بلا روح، حتى تنتهي القلوب إلى القسوة والغفلة.
قسوة القلب .. المرض الذي يُعالج بالوعي
في أحد أقوى المقاطع التحليلية في دلالة الآية ، يشير الشهيد إلى أن القلب إذا لم يتفاعل مع الذكر ويتأثر بالقرآن، فإن طبيعته أن يقسو ، بل قد يبلغ من القسوة ما يجعل صاحبه أقسى من الحجر، كما قال الله عن بني إسرائيل: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ ، فالعلاج ليس في المزيد من الاستماع، بل في تغيير طريقة التلقي، أن نستمع بجد، بصدق، بإخلاص، ونجعل قلوبنا تستشعر هيبة الله وتثق بوعوده.
أزمة الثقة بالله .. نتيجة حتمية لقسوة القلب
من أعمق التحليلات التي قدمها الشهيد القائد في دلالة الآية ، هو ربطه بين قسوة القلب وظهور أزمة الثقة بالله، فيقول: “من أين جاءت أزمة الثقة بالله حتى أصبحت وعوده وكأنها وعود من لا يملك شيئًا؟!
هذا التساؤل يكشف عن مشكلة إيمانية خطيرة، حين لا يتفاعل القلب مع القرآن، يفقد الشعور بالله، فيضعف اليقين، وتضمحل الثقة، فنبحث عن أولياء من غير الله، ونستمد القوة من خارج دائرة الإيمان.
الحل .. العودة إلى القرآن كمصدر معرفة حقيقية بالله
يختم الشهيد القائد تحليله بتأكيد أن الطريق لإحياء القلوب يبدأ من معرفة الله حقًا ، وتلك المعرفة لا تكون إلا من خلال القرآن الكريم، الذي يقدم أعظم وأشمل تصور عن الله، وصفاته، وأفعاله، ووعوده ، فعندما يعرف الإنسان ربه، يثق به، وعندما يثق، يحب، وعندما يحب، يخضع ويخشع ويتوكل.
خاتمة .. هل آن للقلوب أن تخشع؟
يبقى السؤال القرآني مفتوحًا: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم؟ إنها دعوة دائمة للمراجعة، للتأمل، للتفاعل الصادق مع كتاب الله، ومع وعوده، ومع مواعظه، ومع ذكره ، وفي ضوء هذا التحليل، يتبين أن أزمة المسلمين ليست أزمة علم أو كثرة خطاب، بل أزمة خشوع، وأزمة ثقة، وأزمة تفاعل صادق مع ما نؤمن به، ونقرؤه، ونسمعه ، إنها دعوة لأن نستعيد القلوب من برودة العادة إلى حرارة الإيمان، وأن نحميها من القسوة، ونعيد ربطها بالله من جديد.