Herelllllan
herelllllan2

أنظمة التطبيع.. واغتيال الطفولة في غزة!

يمانيون// كتابات// عبد الرحمن المختار

تؤكد المعطيات والوقائع أن الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني، وتلك التي تركض بشكل حثيث للحاق بقطار التطبيع، أنها على أتم الاستعداد أن تدفع للكيان الصهيوني ثمن وهم تطبيعها معه مهما كان هذا الثمن باهظاً، وهذا عكس ما يجب أن يكون عليه الحال، وما يجب أن يكون عليه المجرى العادي للأمور، فالأصل إذا ما سلمنا جدلاً بحتمية التطبيع، أن تبالغ الأنظمة العربية في رفع سقف المقابل، الذي يجب أن تحصل عليه كثمن لقبول تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني الغاصب، لتقبل به ككيان طبيعي في الجغرافيا العربية، فالأصل أن يدفع الكيان الصهيوني للأنظمة العربية ثمنا باهظاً لا أن تدفع هذه الأنظمة ذاتها ثمنا باهظا مقابل أن تطبع علاقاتها مع هذا الكيان المجرم! .
وإذا كان الثمن الذي قبلت بدفعه للكيان الصهيوني أنظمة التطبيع العربية مادياً، لكان الامر هيناً مهما كان هذا الثمن مجحفا ومبالغا فيه، لكن المؤسف، بل والمخزي حقاً، أن يصل الحال بأنظمة التطبيع العربية أن يكون ثمن تطبيعها مع الكيان الصهيوني، هو دين ومبادئ وقيم أمتها، وموروثها الحضاري والإنساني، فالمهم في الأمر لدى هذه الأنظمة أن تشتري رضا الصهاينة والأمريكان عنها، ولو كان الثمن الأمة ودينها وقيمها، وفي انحرافها الخطير هذا تجاهلت أنظمة التطبيع تماماً تحذير الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من شدة عداوة أعداء الأمة، وأن هذا العداء لا يرجع إلى مصالح اقتصادية أو جيوسياسية، وإنما سببه دين هذه الأمة، ولذلك جاء التحذير واضحا وصريحاً في قوله ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ٍۗ﴾.
والواضح أن الحكام القابعين على رأس السلطة في أنظمة التطبيع مع الكيان الصهيوني والأنظمة السائرة في ذات الطريق، مفصولين تماما عن دين الأمة، وعن قيمها، وعن تاريخها، وعن واقع شعوبها أيضا، ولو كان لهؤلاء الحكام أدنى ارتباط أو تصال حقيقي بشعوب وتاريخ وقيم ودين الأمة، لما ارتضوا بحالة التمزيق لشعوبها، التي فرضها عليهم أعداؤها، ولما ارتضوا بالتسابق للسير بشعوب هذه الأمة على انفراد إلى مخادع الغرام الصهيوأمريكية الزائفة، ولما ادعى كل نظام منها تفوقه على غيره، وحيازته قصب السبق، والفوز بالنصيب الأوفر من وهم حب وغرام من وصفهم الله تعالى بأنهم الأشد عداوة للامة.
ولعمري ما ذلك إلا فخ منصوب، ومصيدة محكمة، ومصير محتوم معلوم مسبقاً، فالله سبحانه وتعالى عندما حذر أمة العرب من شدة عداوة أعدائها، وحددهم بشكل واضح، لا لبس فيه ولا غموض، وبيّن بشكل واضح سبب ذلك العداء، وأنه عداء متأصل ومتجذر في نفوس أعداء الأمة، وأنه عداء لا يستثني أبداً شعباً من شعوبها، طالما وهذا الشعب يدين لله سبحانه وتعالى بدين الإسلام.
ومع ذلك وبكل سهولة تقبلت أنظمة التطبيع العربية، وهم الحب والعشق والغرام، الذي يبديه أعداء الأمة، ويتغنون به، ويميزون به بين شعوب الأمة، ليظهروا به مستويات متفاوتة من وهم العلاقات المتميزة، التي تربطهم بتلك الأنظمة، والمصالح المشتركة، والروابط الوثيقة التي تجمعهم بها، وكل ذلك ما هو في الحقيقة إلا زيف وخداع، قد كشفه وبينه وحذر منه الله سبحانه وتعالى العليم بخفايا الصدور، فقال عز من قائل ﴿ هَا َنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور ﴾.
وهذا التحذير عام وشامل لا يقتصر على شعب دون آخر، ولا على فئة دون أخرى من فئات الشعب، فالجميع معني بهذا التحذير، ومعني أن يأخذه بأعلى درجات الحيطة والحذر، ذلك أن كافة شعوب الأمة العربية مستهدفة حكاما ومحكومين، فالأعداء كما هو واضح أظهروا في ما مضى، وداً بشكل مبالغ فيه لبعض شعوب الأمة العربية، التي تفاخرت أنظمتها الحاكمة المطبعة بمستوى علاقاتها مع من وصفهم الله سبحانه وتعالى بالأعداء، وقد وصلت هذه المبالغة حد وصف تلك العلاقات بالتحالف الاستراتيجي، رغم كونها لا تتعدى التبعية العمياء، ورغم أن هذه العلاقة بينهم التي يتغنون بها، ويتباهون بها، ورغم أن حب أعداء الأمة الذي يظهرونه، هو حب زائف، وهو في حقيقته عِداء صارخ لشعوب الأمة دون استثناء، وما تمييز الأعداء خلال العقود الماضية، بين شعوب الأمة، وتمييزهم بين الأنظمة الحاكمة في هذه الشعوب، بما فيها المطبعة ذاتها، إلا لتمزيق هذه الشعوب، وإضعافها، لتسهل السيطرة عليها وتدميرها، وهي مفرقة ضعيفة، وكما هو اليوم واضح ومشاهد على أرض الواقع المرير الذي تعيشه الشعوب العربية وأنظمة الحكم فيها.
وكما هو مشاهد للعيان، فالواقع كشف ويكشف بكل وضوح ما آل ليه حال أنظمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فهي اليوم تبدو غير معنية تماماً بما يجري في قطاع غزة من أهوال، وإذا ما كان لها من دور هامشي تخادمي مسموح به من أعداء الأمة، فإنه لا يتعدى لعب دور الوساطة لصالح الأعداء، للإفراج عن محتجزين أو إيصال المواد الغذائية والعلاجية اليهم، ورغم ما تطلقه الحناجر البريئة ممن لا يزالون على قيد الحياة من أطفال غزة من نداءات استغاثة، بسبب ما يعانونه من ذعر وفزع وخوف من تلك الأهوال، وبسبب ما يعتصرهم من ألم بسبب ما أصابهم من جروح، أو بسبب فقدان من يعولهم، ورغم ذلك فلا مجيب لا من أنظمة التطبيع، ولا من شعوبها، والمفارقة الصارخة أن يصل مستوى السخط على ما يجري لأطفال غزة، وأن ترتفع درجة حرارة الغضب بسبب ما يتعرضون له من إبادة إلى قياسات مرتفعة، ليس في جوار غزة، ولكن على بعد آلاف الأميال، لدرجة أن يعبر أحدهم عن سخطه بإهدار حياته حرقا، في حين لا تزال درجة حرارة أنظمة التطبيع العربية والشعوب التي تحكمها تحت الصفر، في الوقت الذي تتصاعد فيه درجة حرارة الغضب والسخط الشعبي في تلك البلدان، وقد تصل إلى درجة الغليان، لتقذف بأنظمة الحكم هناك إلى الجحيم، ولا تزال حالة التجمد هي السائدة لدى أنظمة التطبيع والشعوب التي تحكمها.
والواضح أن أنظمة التطبيع العربي لا تزال محافظة على مستوى عشقها لأعداء الأمة، بل الواضح أن أنظمة التطبيع العربي باتت تخشى من دماء وأشلاء أطفال غزة المسفوكة والممزقة ظلما وبغيا وعدوانا، أن تؤثر على مشاعر ونفسيات القتلة، فتتأثر بذلك سلبا، ويتشوش بث موجات الغرام الموجهة عبر أثير الوهم والزيف والخداع إلى أنظمة التطبيع، ولذلك فقد تجاوزت الأنظمة حالة الاشتراك في اغتيال الطفولة في غزة، إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو تقبلها لتحمل تكاليف علاج الأثار النفسية، التي أصابت القتلة نتيجة إيغالهم وإفراطهم في سفك دماء أطفال غزة، وتمزيق أشلائهم، وتقبل هذه الأنظمة تحمل كافة التكاليف المادية، التي تكبدها القتلة لإنجاز مهمتهم واقتراف جريمتهم بحق غزة وطفولة أطفالها.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com