الإمام “القاسم الرسي”.. نواة “آل محمد” في اليمن ومرجعاً لسائر الطوائف الإسلامية في عصره
يمانيون|| أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال
يعتبر الإمام القاسم الرسي أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، خاصة في اليمن , والنواة الأساس لظهور الأئمة الأعلام من أهل البيت عليهم السلام في اليمن كما أنه جد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين, وصف في عصره بـ(نجم آل الرسول محمد صلوات الله عليه وآله)
لعب دورا رئيسيا وهاما في مواجهة الظلمة والطواغيت في العصرين العباسي والأموي, وخاض مواجهات فكرية ودينية شرسة مع الملاحدة والزنادقة والفلاسفة, وأعاد للمنهج الإسلامي اعتباره وللتاريخ قيمته بشكل عام واليمن على وجه الخصوص, حيث تدرس اليوم مؤلفاته في المعاهد والجوامع وهجر العلم بما فيها الجامعات, كما أنه ساهم في تأسيس الدولة الزيدية ..
ولما كان من أفضل أهل زمانه علماً وعملاً ولورعه وتقاه لقب أيضا بترجمان الدين، وأمضى حياته يجاهد ويدعو إلى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقاوم الظلم والطغيان، فطارده الحكام والولاة عاش حياته في خلافتي الخليفتين العباسيين المأمون والمعتصم متخفيا ومشرداً في البلاد ثار على الخليفة العباسي المأمون مع أهل الكوفة في جمادى الأول سنة 199هـ/814م،.
نسبه وعائلته
هو (أبو محمد): القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم جميعا, المكني بـ(أبو محمد) له من الأولاد 12 ولداً ذكراً عمل على تربيتهم وتعليمهم وتفقيههم ، في تلك المنطقة البعيدة عن العمران ، والحياة الصاحبة ، حتى صاروا من أكمل الناس علما ودينا.,
مولده
ولد في جبل الرَّس في المدينة المنورة (60 كلم جنوب غرب المدينة) سنة 169 هـ / 785م) ونشأ فيها، وسكنه بجبال “قدس” بأطرافها، وهو شقيق الإمام الثائر محمد بن إبراهيم بن إسماعيل الشهير بابن طباطبا، الذي خرج ثائرا بالكوفة على عهد الخليفة العباسي المأمون، فلقد بايعه على الثورة خلفه، أهل الكوفة في جمادى الأول سنة 199هـ / 814م.
سبب تلقيب والده (طباطبا)
إبراهيم طباطبا بن إسماعيل لقّب (طباطبا) لأن أباه أراد أن يقطع له ثوبا وهو طفل فخيره بين قميص وقبا ، فقال : طباطبا. يعني : قباقبا. وطباطبا بلسان النبطية : سيد السادات, وهوأحد العلماء الكبار والفرسان الشجعان ، الذين كانت تخافهم الدولة العباسة ,وهو ممن خرج مع الإمام الحسين الفخي ، وظل في حبس المدعين للخلافة في العهدين الأموي والعباسي (المهدي وموسى وهارون) بعده حتى توفاه الله في السجن.
مشايخه
ذكر حفيده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام في كتاب الأحكام أن من أبرز مشايخ جده الإمام القاسم هم:
أبوه إبراهيم بن إسماعيل.
أبو بكر بن أبي أويس المدني
إسماعيل بن أبي أويس
أبو سهل سعد بن سعيد المقبري
تلامذته
بعد استقراره في بادية الرس بالمدينة ، وتفرغه للتعليم والتأليف صار مقصدا للباحثين وقبلة للمسترشدين ولقد كان الإمام القاسم مرجعا لسائر الطوائف والفرق الإسلامية في عصره ، فلقد كان مجلسه دائما عامرا بالعلماء والباحثين ، من الملاحدة والمسيحيين ، ومن علماء المعتزلة وغيرهم ، في مصر والعراق والحجاز وأينما حل ، يأتيه المسترشدون من العراق وطبرستان ، ومصر والحجاز ، كل هذا أثناء دعوته وجهاده.
نشأته وعلمه
عاش وتربى في بيت النبوة والرسالة ، يتلقى العلم عن آبائه ، أسرة العلم والحلم والحكمة ، وتربى بعيدا عن تأثير اللغات الدخيلة على العربية الفصحى ، من لغات الداخلين في الإسلام من العجم من فرس وروم وخزر وصقالبة وبربر وسائر لغات الأفارقة ، فبقي عربيا نقيا سليقيا ، وعباراته الجزلة وألفاظه الغربية ، وتراكيبه المتينة ، وسبكه المنظوم ، تدل بما لا يدع مجالا للشك على أصالة لغته ، ونقاء ثقافته.
وفوق هذا كله فالإمام شاعر مطبوع عذب المورد ، مشرق المعنى ، وأديب متضلع في فنون الأدب ، متقن لعلوم اللسان ، عارف بأخبار العرب ، مطلع على لغاتها ، راو لأشعارها وأمثالها ، كاتب بديع الإنشاء ، حسن الترسل ، ناصع البيان ، وهو ناثر لا يدانى من غير تكلف.
فجميع كتبه التي تزيد على الثلاثين ، مصوغة بطريقة الشعر المنثور أو النثر المشعور ، ما عدى سبعة كتب ، هي : المسترشد ، والرد على المجبرة ، والرد على الملحد ، والرد على الرافضة ، والعدل والتوحيد ، والإمامة كتابان..
خرج أخاه محمد بن إبراهيم على المأمون العباسي في الكوفة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة (١٩٩ ه) ، وبث الدعاة في سائر النواحي ، وأنفذ أخاه القاسم بن إبراهيم إلى مصر للدعاء إليه وأخذ البيعة له ، وكان عمر الإمام القاسم يومئذ (٢٧) أو (٢٦) سنة.
البيعة الأولى سنة (١٩٩ ه)
علم الإمام القاسم باستشهاد أخيه محمد بن إبراهيم وهو بمصر ، فدعا إلى نفسه وبث الدعاة وهو على حال الاستتار ، فأجابه عالم من الناس من بلدان مختلفة ، وجاءته بيعة أهل مكة ، والمدينة ، والكوفة ، وأهل الري (طهران حاليا) ، وقزوين ، وطبرستان ، والديلم ، وكاتبه أهل العدل من البصرة ، والأهواز ، وحثوه على الظهور وإظهار الدعوة ، فأقام بمصر نحو عشر سنين, وذاع صيته هنالك وانتشر خبره ،، وكان عمره يومئذ (٢٧) أو (٢٦) سنة, فحول منزله إلى ملتقى للعلماء والباحثين والمناظرين ، ومناظرة الملحد كانت في مصر ، وتناهى إلى سمع الخليفة العباسي المأمون خبره وخافه خوفا شديدا وضيق عليه ، وتتبع أخباره وبعث الجواسيس عليه وعلى كل من يشك أن له به صلة, فشدد عليه الخناق ورصد الجوائز لمن يدل على الإمام القاسم ليظفر به ويامن جانبه, وأغرى سكان الجزيرة العربية بألف دينار ومختلف أنواع البز أنذاك, وحينما اشتد الطلب من والي مصر العباسي عبد الله بن طاهر بمصر , حينها لم يمكنه المقام ، فعاد إلى بلاد الحجاز وتهامة ، وخرج جماعة من دعاته من بني عمه وغيرهم إلى بلخ ، والطالقان ، والجوزجان ، ومروروذ فبايعه كثير من أهلها ، وسألوه أن ينفذ إليهم بولده ليظهروا الدعوة ، فانتشر خبره قبل المتمكن من ذلك ، فتوجهت الجيوش في طلبه نحو اليمن ـ يعني جهة اليمن ـ فاستنام ـ أي انحاز ـ إلى حي من البدو واستخفى فيهم. وأراد الخروج بالمدينة في وقت من الأوقات ، فأشار عليه أصحابه بأن لا يفعل ذلك ، وقالوا : المدينة والحجاز تسرع إليهما العساكر ، ولا يتمكن فيهما من الميرة, ولم يزل على هذه الطريقة مثابرا على الدعوة صابرا على التغرب والتردد في النواحي والبلدان ، متحملا للشدة ، مجتهدا في إظهار دين الله.
البيعة الثانية سنة (٢٢٠ ه)
بويع الإمام القاسم البيعة الثانية وعمره (٥١) سنة في منزل بالكوفة وذلك في عهد المعتصم
جهاده
تشرّب الإمام القاسم حب الجهاد ونشأ عليه منذ نعومة أظفاره ، فآباؤه بين قتيل في ساح الوغى ، أو قتيل في أعماق السجون ، أو مبني عليه وهو حي ، فما فت ذلك في عضده ، ولا زاده إلا تصميما وتشميرا للجهاد,
وهو ما عبر عنه في البيت الشعري التالي:
فإني من القوم الذين يزيدهم
قسوّا وبأسا شدة الحدثان
ظل في مصر يدعو لبيعة أخيه محمد بن إبراهيم فترة من الزمن حتى استشهد أخوه ، ثم دعا إلى نفسه ، وتغرب عن الأوطان ، وتنقل بين البلدان ، رافعا راية الجهاد ، ومبينا حق الله على العباد ، حتى سقط عنه فرض الجهاد بالسيف ، لقلة الأنصار ، فتوجه إلى جهاد آخر جهاد القلم للدفاع عن مفاهيم الدين الحنيف ، ورد شبهات الملحدين ، وتأويل الجاهلين ، وتحريف الغالين ، وانتحال المبطلين.
وتوجه إلى إعداد جيل من المجاهدين ، من أبنائه وأحفاده ، وأصحابه. ولقد أثمر الشجر الذي غرسه ، وأينع الثمر الذي حرسه ، وما حفيده الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم إلا دوحة من تلك الشجرة الباسقة ، وجذوة من شلال النور الذي ملأ الأفق واستنار.
شذرة من مقتطفاته الشعرية
قال الإمام القاسم بن إبراهيم :
عسى مشرب يصفو فتروى ظمية
أطال صداها المنهل المتكدر
عسى بالجنوب العاريات ستكتسي
وبالمستذل المستضام سينصر
عسى جابر العظم الكسير بلطفه
سيرتاح للعظم الكسير فيجبر
عسى بالأسارى سوف تنفك
وثائق أدناها الحديد. المسمر
عسى صور أمسى لها الجور دافنا
سينعشها عدل فتحيا وتنشر
عسى الله لا تيأس من الله إنه
يسير عليه ما يعز ويكبر
عسى فرج يأتي به الله عاجلا
بدولة مهدي يقوم فيظهر
يقسم أعشار ويشبع ساغب
وينصف مظلوم ويوسع مقتر
ويظهر حكم الله في كل شارق
وينشر معروف ويقمع منكر
شيء من فضائله
ورد عن جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما رواه أئمتنا أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يا فاطمة إن منك هاديا ومهديا ومستلب الرباعيتين لو كان نبي بعدي لكان إياه»، وقيل للفقيه العالم حواري أهل البيت أبي جعفر محمد بن منصور المرادي: إن الناس يقولون إنك لم تستكثر من القاسم بن إبراهيم وقد طالت صحبتك له، فقال: نعم، صحبته خمسا وعشرين سنة، ولكنكم تظنون أنا كلما أردنا كلامه كلمناه، ومن كان يقدر على ذلك منا وكنا إذا لقيناه فكأنما أشرب حزنا لتأسفه على الأمة، وما أصيبت به من الفتنة من علماء السوء وعتاة الظلمة.
وروي أنه سمع صوت طنبور في جنده، فقال: والله هؤلاء لا ينتصر بهم وتركهم.
دعا إلى الله في بعض الشدائد فامتلأ البيت نورا.
فصاحته وبلاغته
قال الإمام القاسم عن نفسه : والعقول حظوظ متقسمة ، والأخلاق غرائز مستحكمة ، فالحازم مغتبط بما ألهم ، جذل بما قسم ، والمفرّط متأسّ على ما حرم ، يقرع سنّه من الندم ، فإن قهر نفسه على تعوّض ما فرط ، أورده صغر الهمم في أعظم الورط ، وإن تمادى في التقصير ، دحض دحضة الحسيروإني لما زايلت قلة الآثام ، وخضت في أفانين الكلام ، وناسمت كثيرا من علماء الأنام ، أطللت على مكنون من العلم جسيم ، واستدللت على نبأ من ضمائر القلوب عظيم ، لأن صحيح الجهر ، يدل على كثير من مكنون السر, واطلعت على ذلك بخصال أوتيتها ، وأخر تجنبتها ، فأما اللواتي أوتيت فذكاة الفطنة ، وقلة المشاحة في المحنة ، والاصغاء لأهل الافتنان ، والقبول من ذوي الأسنان ، وكثرة الاقتباس من أولي الحكم والأذهان ، والزهادة في الزائل الفان ، وصحة الناحية ، وتكافئ السريرة والعلانية ، وسلامة القلب ، وحضور اللب ، فافهموا يا بني, وأما اللواتي اجتنبتها ، فمهازلة الحمقاء ، ومشاحنة الأدباء ، وترك ما تشره إليه النفس من عرض الدنيا ، والمكاثرة والحقد ، والظغن والحسد ، والاسترزاء للحرّ والعبد ، والمماكسة فيما يكسب الحمد, يا بني فبعض هذه الخصال طبعت عليه بالتركيب ، وبعضها استعنت عليه بقبول تأديب الأديب ، والتمثل بالأريب اللبيب ، مع رغبة حداني عليها طلب الازدياد ، مما أرجو به النجاة في المعاد ، والزلفة يوم التّناد.
شاعرية الإمام
لم يبق فن من فنون الأدب إلا وخاضه الإمام القاسم بمهارة وبراعة ، وشعره يعد من قمم الشعر العربي بلاغة وفصاحة ، بلغ مقاما رفيعا في جزالته وعذوبته ، حتى كان أئمة الزيدية الكبار يجلون شعره أيما إجلال.
وقال أيضا في إحدى مناجاته لله :
يا من شكا حافظاه خلوته
حين خلاء والعباد ما فطنوا
لم يهتك الستر إذ خلوت به
بر لطيف كفّا له المنن
وقال أيضا :
فلا تجزع إذا أعسرت يوما
فقد أيسرت في الدهر الطويل
ولا تيأس فإن اليأس كفر
لعل الله يغني عن قليل
ولا تظن بربك ظن سوء
فإن الله أولى بالجميل
وقال أيضا :
لقد علمت وما الإشفاق من خلقي
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعنيني تطلّبه
ولو كففت أتاني لا يعنّيني
لا خير في طمع يدني إلى طبع
ورغفة من قليل العيش تكفيني
زهده وورعه
كان الإمام القاسم يمثل سيرة جده علي بن أبي طالب عليهالسلام في ورعه وخشيته لله ، فكان في رقابة دائمة لله سبحانه وتعالى ، ينحسس مواطن رضاه فيتبعها ، ومواطن غضبه فيجتنبها, انقطع الإمام القاسم رضوان الله عليه ، إلى الله تعالى … وعاش معه يرتل كتابه ويتدبر آياته. يسير أغواره ناظرا فيه بنور الله ، عارضا عليه سنة المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، معمقا حصيلته من ذلك بالمخزون الشعوري والوجداني الهائل الذي منحه الله إياه .. المتمثل بحمل هم الآخرة والدنيا … هم الوقوف بين يدي الله ، وهم المسئولية عن عباده.
قالوا في الإمام القاسم
قال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد : وقد عرض عليه الإمام القاسم البيعة لا والله ، وأنت يا أبا محمد حاضر ، إذا حضرت فلا يجب لأحد أن يتقدمك ويختار عليك ، وأنت أولى بالبيعة مني
وقال عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب للإمام القاسم عند ما عرض عليه البيعة أيضا : يا أبا محمد نحن لا نختار عليك أحدا ، وقد أصاب أبو عبد الله فيما قال ، وأنت الرضى لجميعنا
وقال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ، وقد عرض عليه الإمام القاسم البيعة أيضا : يا أبا محمد والله لا يتقدم بين يديك أحد إلا وهو مخطئ ، أنت الإمام وأنت الرضى ، وقد رضيناك جميعا
وقال محمد بن منصور المرادي وقد سئل لم لم يكثر الرواية عنه؟! فقال : كأنكم تظنون أنا كلما أردنا كلمناه ، من كان يجسر على ذلك منا؟! ولقد كان له في نفسه شغل ، كنت إذا لقيته كأنما ألبس حزنا
وقال عبد الله بن أحمد بن سلام : لست أجسر على النظر في (كتاب الهجرة) للقاسم عليهالسلام ، وأومئ إلى أن ذلك لما فيه من التخشين والتشديد والزهد وترك الدنيا والتباعد من الظالمين
وقال جعفر بن حرب المعتزلي : أين كنا عن هذا الرجل ، فو الله ما رأيت مثله
حدثنا أبو العباس الحسني رضي الله عنه باسناده ، عن يحيى بن الحسن العلوي ، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن إبراهيم ، قال : استوفى عمي غلته خمسين دينارا ، فلقيه رجل يمدحه وأنشده قصيدة يقول فيها :
ولو أنه نادى المنادي بمكة
ببطن منى فيمن تضم المواسم
من السيد السباق في كل غاية
لقال جميع الناس لا شك قاسم
إمام من ابناء الأئمة قدمت
له الشرف المعروف والمجد هاشم
أبوه على ذو الفضائل والنهى
وآباؤه والأمهات الفواطم
بنات رسول الله أكرم نسوة
على الأرض والآباء شم خضارم
قال : فأمر له بالخمسين دينارا (٥).
وقال الإمام الناصر الأطروش :
محمد وعلي والبتول ومن
قد كان يأتيهم بالوحي جبريل
وعترة المصطفى بالرس عنصرنا
الطاهرين المقاديس البهاليل
هم السفينة لا إفك أقول به
فمن تأخر عنها فهو معزول
وقال الإمام الناصر الأطروش أيضا : زاهد خشن
وقال الإمام الهادي ـ حفيده ـ : القاسم بن إبراهيم الفاضل العالم الكريم ، المجرد سيفه ، المصمم الباذل نفسه ، المباين للظالمين ، الداعي إلى الحق المبين …
وقال الإمام أبو طالب الهاروني : كان نجم آل الرسول صلى الله عليه وعلى آله ، المبرز في أصناف العلوم وبثها ونشرها وإذاعتها ، تصنيفا وإجابة عن المسائل الواردة عليه ، والمتقدم في الزهد والخشونة ولزوم العبادة (٤).
وقال أبو نصر البخاري من أعلام القرن الرابع : الإمام القاسم بن إبراهيم صاحب المصنفات والورع والدعاء إلى الله سبحانه ومنابذة الظالمين
وقال ابن أبي الحديد في معرض الرد على فخر بني أمية على بني هاشم : ومن رجالنا القاسم بن إبراهيم طباطبا ، صاحب المصنفات والورع والدعاء إلى الله وإلى التوحيد والعدل ، ومنابذة الظالمين ، ومن أولاده أمراء اليمن
وقال الحاكم الجشمي أيضا : نجم آل الرسول وفقيههم وعالم المبرز في أصناف العلم ، ومن يضرب به المثل في الزهد والعلم
وقال الحاكم المحسن بن كرامة الجشمي في كتابه تنزيه الأنبياء والأئمة : فأما القاسم عليه السلام فلا شبهة في فضله وعلمه ، وله الكتب المعروفة والأصحاب ، فأما الزهد فأشهر من الشمس
وقال الإمام عبد الله بن حمزة : يلقب ترجمان الدين ، ويقال له : القاسم العالم.
وكان يقال له : نجم آل رسول الله صلىاللهعليه وآله وسلم ، وهو المبرز في أصناف العلوم وبثها ونشرها وإذاعتها ، تصنيفا وإجابة عن المسائل الواردة عليه ، والمتقدم في الزهد والخشونة ، إلى غاية لم يبلغها أحد من أهل عصره ، ولزوم وظائف العبادة .
وقفة مع أعماله الفريدة
خاض الإمام القاسم بن إبراهيم مواجهات ثقافية ومعارك فكرية فلسفية جدليه شرسة في عصره بين المسلمين وغيرهم ، لكثرة الأدباء والمؤرخين واللغويين في عصره , سيما مع انتشار الزنادقة والملحدين والفلاسفة في ثقافة المواجهة والرد على الآخر , مع دخول الثقافات الأخرى على الثقافة الإسلامية في العصر العباسي مما دعا لإعادة النظر في كل شيء ، ومحاورته دفاعا عن الدين ، وإيضاحا لحجج المخالفين ، وتحقيقا لمبدأ الجهاد في سبيل الله علميا , ، كون مناهج العلوم الإسلامية بالمناهج الوافدة والدخيلة بما تحمله من شك فلسفي وجدل في العقائد, ولم تكن المواجهة مع الآخر فكرية فقط ، ولكن اتخذت طابعا سياسيا, حيث تعد من أهم ثقافات ذلك العصر الذي عاش فيه , وأحد أعماله الفريدة.
وإذا ما تعرضنا إلى ثقافة القاسم بن إبراهيم الفلسفية ، نجده على وعي ودراية كاملة بالفلسفية اليونانية والشرقية القديمة على الرغم من وجوده إبان عصر الترجمة بما يعنى أنه عرفها قبل قيام المأمون بترجمة الفلسفة اليونانية ، وهضمها وصار في طور أرقى وهو نقدها والتعرض لها بالفحص والنقد الدقيق .
مواجهة الملاحدة والزنادقة في مصر
ما يدل على تمكن الإمام القاسم من معرفة الفلسفة القديمة وهضمه لها هضما جيدا ، وأن كثيرا من أدلتهم في الميتافيزيقا وإثبات الغيبيات دخلت العالم الإسلام وعرفها وأعاد صياغتها مرة أخرى في إطار المنهج الإسلامي, حيث كان الملاحدة في عصره يلقون بشبهاته على علماء المسلمين بمصر ، فلا يجدون من يتصدى لشبهاتهم بالتفنيد ، ويأخذون بيده إلى مرفأ الأمان ، بالحجة والبرهان, بل ينتقص علماء الإسلام ، ويهزأ بالإسلام ، سيما عند ما يجابه بالطرد والشتائم من العلماء العاجزين عن رد شبهته ، ونزل الإمام القاسم مصر فوجد أهل مصر يحبون آل البيت حبا شديدا ، وفتحوا بيوتهم له ، وأخفوه عن أنظار السلطة ، ومع ذلك لم يكن غائبا عما يحدث في الحياة العامة ولا في مجالس الحكام والعلماء ، وما ينزل ويحل في العامة من حوادث ، وما يجد في الحياة من حوله.
وكأثر من آثار تسامح المسلمين حكاما وشعبا مع غيرهم من أهل الذمة والكفار والملحدين والمجوس والمانوية الثنوية وغيرهم ، بدأ هؤلاء في غزو الحياة الثقافية الإسلامية ، يناظرون العلماء ويتحرشون بالعامة ، بغية هزيمة الإسلام فكريا بعد أن هزمهم عسكريا واجتماعيا, بالإضافة إلى دوره العظيم في مواجهة الزندقة بقيادة ابن المقفع الذي كان يقوم هو وأعوانه بنشر الشبهات على المسلمين, ولم يجدون من يتصدى لهم سوى الإمام القاسم عليه السلام, وكذا انتقاده للمنهج اليوناني الذي قدم إلى الجزيرة العربية في العصر العباسي.
بعض من مؤلفاته:
۱ ـ الدليل الكبير، وقد بالغ فيه في الكلام على الفلاسفة.
۲ ـ الدليل الصغير.
۳ ـ كتاب العدل والتوحيد الكبير،
٤ ـ الرد على ابن المقفّع.
٥ ـ الرد على النصارى.
٦ ـ كتاب المسترشد.
۷ ـ كتاب الرد على المجبرة.
۸ ـ كتاب تأويل العرش والكرسي.
۹ ـ كتاب المسألة وفيها مناظرته مع الملحد
۱۰ ـ كتاب تثبيت الاِمامة وتقديم أمير الموَمنين على المشايخ.
۱۱ ـ كتاب الفرائض والسنن.
۱۲ ـ كتاب الطهارة.
۱۳ ـ كتاب صلاة اليوم والليلة.
۱٤ ـ كتاب مسائل علي بن جهشيار.
۱٥ ـ كتاب الناسخ والمنسوخ.
۱٦ ـ كتاب سياسة النفس
وفاته
عاد إلى الرَّس في المدينة في آخر أيامه، وبنى هناك لنفسه ولولده، وتوفي بها سنة 246 هـ وله سبع وسبعون سنة، ودفن فيها، ومشهده ومسجده معروف وموجود في منطقه الدور التابعه لمنطقه حزرة.
المراجع :
-الحدائق الوردية
-التحف شرح الزلف
-تاريخ الطبري
-كتاب “مجموع رسائل الإمام القاسم الرسي” عبر جزئين يحتوى الجزء الأول على (697)صفحة, بينما الجزء الثاني ضم (675) صفحة حققهما الشهيد الاستاذ عبدالكريم أحمد جدبان رحمه الله.