المظلل بالغمام.. ممرغ أنوف الأتراك في وحل اليمن ورافع لواء الحرية والاستقلال
سجلت كتب التاريخ والسير العديد من الوقائع والملاحم الجهادية التي خاضها فارس ميادين الجهاد في مختلف المناطق اليمنية, الإمام المطهر بن يحيى بن شرف الدين “المظلل بالغمام” ضد قوات الغزو العثماني ( أوائل القرن ال20) ضمن أول خطوة لطرد العثمانيين من الوطن العربي, وتحريرها من براهن الاحتلال, حيث وضعت الخطوط العريضة لشكل المنطقة وامتد تأثيرها لواقعنا المعاصر.
أحد أحفاد الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام, , قام بالدعوة إماما في اليمن سنة 676 هـ وتلقب بالمتوكل, صاحب رصيد جهادي كبير وفقيه وعالم , كما يعد نموذجا لأولئك العظماء القادة من أهل البيت عليهم السلام في عطائهم وإحسانهم للناس, وممن امتزجت دماؤهم الطاهرة جنبا إلى جنب وكتف بكتف إلى جانب القبائل اليمنية التواقة للحرية على مر التاريخ ما جعل العالم يطلق على اليمن “مقبرة الغزاة” .
وهنا نستعرض جزء بسيط من حياة الإمام “المتوكل ” وسيرته ومسيرته الجهادية لأحد أئمة اليمن الْمَشْهُور بالشجاعة والحزم والإقدام والمهابة والسياسة , وممن حلت هيبته بقلوب أهل الْيمن قاطبة وَقُلُوب من يرد إِلَيْهَا من الأتراك والغزاة.
يمانيون|| أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال
نسبه:
الإمام المتوكل على الله “المظلل بالغمام” المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن علي بن الإمام الناصر احمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهم السلام.
قصة تسميته بـ “المظلل بالغمام”
يروي المؤرخون وكتب السير ” ان الحرب اشتدت بين الإمام المطهر وجيوش المؤيد الرسولي حيث دارت بينه وبين معاصريه معارك، وكاد أحدهم يظفر به في تنعيم ، فضيقوا على الامام وجماعته أشد التضييق ، فخرج الامام من تنعم الى جبل اللوز مخلاف خولان شرقي صنعاء بمسافة يوم ، وسلك الامام طريقة صعبة ويسر الله له غمامة متراكمة سترت ما بينه وبين أعدائه حتى خلصوا من تلك الجهة وابتعدوا دون أن يتمكن جنود العدو من القبض عليه أو النيل منه, فلقب (المظلل بالغمامة) “, حتى أن أحد الشعراء وصف الكرامة في أبيات شعرية وهي:
وفي المطهر لم تعدل وقد علمت
أن المطهر زاكي الاصل والأسر
من ظللته الغمام الغر حائلة
من دونه وغدت سترا لمستتر
بيوم تنعم والابطال عابسة
وقد تقدم والضلال في الأثر.
ولم تسخر هذه الكرامة إلا لجده رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله يوم كان يتاجر مع خديجة عليها السلام إلى الشام .
صفاته
تميز عليه السلام بالتواضع ما جعل الناس يتقربون منه ويقترب منهم ويتطلع لهمومهم, وقد عرف عن تواضعه الكثير من أبناء القبائل اليمنية , وشهدوا له بذلك, ما جعله محبوبا لدى المجتمع , ورأوا فيه القائد الذي تبنى عليه الآمال في إقامة دين الله ورفع راية الإسلام وإحقاق الحق وإخماد الباطل.
سخاءه وكرمه
كان معروفا بالفضل والعلم وتميز بالعطاء والبذل والجود والاحسان منذ أول أيام عمره وحتى استشهاده’ حتى أن أحد الشعراء وصفه بالقول:
سخاء كف وإن لم يبق باقية
وبذل روح وإن أدى إلى التلف.
جهاده
كان الإمام المظلل بالغمام أحد أنصار الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين قاتل معه وكان من خلص انصاره وأعظم رجاله, ولما استشهد, قام الامام المتوكل المظلل بالغمام بالدعوة سنة 676 هـ وتلقب بالمتوكل, بعد أن أسر الإمام ابراهيم تاج الدين الذي كان إمام قبله, وقد ساس الإمام المتوكل الأمور سياسة عالية, وكان له في الإمامة دور عظيم, حيث سجلت كتب التاريخ له وقائع ملحمية خاضها مع الترك والغزاة العثمانيين.
شرارة الثورات علي العثمانيين و طردهم :
كان بعد اليمن عن مركز الدولة العثمانية في اسطنبول و التضاريس الجبلية ,له تأثير بليغ علي ضعف السيطرة العثمانية علي المناطق الدخلية في اليمن , مما نتج عنه هو ظهور الثورات سريعا في تلك المناطق , حيث اندلعت أولى الثورات في عام 1566، بقيادة الإمام المطهر بن يحيى شرف الدين، وتم قمعها عام 1572 من قبل سنان باشا على رأس قوة قوامها 10,000 رجل, ثم حدثت ثورة شعبية في 1596-1597 بسبب ان حسن باشا قام بعزيز الضرائب وعمم الإلتزام (الزراعة الضريبية) , فتوسعت الثورة حتى انه في عام 1597 بُويع القاسم بن محمد إماما في جبل قره بالقرب من صعدة، فقام في عام 1598 بطرد الحامية العثمانية من عمران, ومن المرتفعات ولم يبق بيدهم إلا صنعاء وصعدة, لذلك في يناير 1599، هبط علي الجزائري باشا، حاكم إيالة الحبشة، مع جيشه لإخماد الثورة. فتراجع الإمام مرة أخرى إلى جبل الأهنوم، فاحتمي فيه حتى وصل له اخبار اغتيال علي الجزائري باشا في أغسطس 1600.
عيون العدو على مرتفعات اليمن الشمالية
حينما بسطت الدولة العثمانية سلطتها على عدن وسائر تهامة واتُخذ من زبيد مقرًا إداريًا للسلطة العثمانية , حاولوا ضم باقي اليمن , وخلال الفترة ما بين 1538 و1547 أرسلوا ثمانين ألف جندي إلى اليمن، بقي منهم سبعة آلاف كانت سلطة الدولة العثمانية الحقيقية محصورة في زبيد والمخا وعدن طيلة فترة وجودهم ويقول أحمد حلبي، دفتردار مصر خلال تلك الفترة :
«ما رأينا مسبكًا مثل اليمن لعسكرنا، كلما جهزنا إليها عسكرًا ذاب ذوبان الملح ولا يعود منه إلا الفرد النادر»
وحينذاك أرسل العثمانيون أويس باشا عام 1547 إلى زبيد وكانت المرتفعات الشمالية مستقلة تحت حكم الإمام يحيى شرف الدين، والد الإمام المطهر عليه السلام, وبالفعل اقتحمت قوات الغزو العثماني تعز وتوجهت شمالًا نحو صنعاء وسيطرو عليها بنفس العام, فيما أُغتيل أويس باشا في زبيد نفس السنة .
اليمنيون يتوحدون ضد الأتراك
عندما توجه أزدمر باشا إلى صنعاء انتهز شيخ قبلي من أبين يدعى علي بن سليمان الفضلي الفرصة فهاجم عدن وأخرج الأتراك وعسكرهم منها ونصَّب نفسه أميرًا عليها، وفعل أمير محلي من زبيد الفعلة ذاتها فأرسل أزدمر باشا قوة إلى زبيد قتلت أمير التمرد، وقتل علي بن سليمان عام 1548 تولى محمود باشا أمور الإيالة وكان ظالمًا قتل كل عسكري من قادته لا يوافقه رأيه، واتخذ لنفسه قصراً في تعز اسمه قصر السعادة كان مقرًا لملوك بني رسول.
علم أن في إب حصن اسمه حب يملكه الفقيه علي بن عبد الرحمن النظاري فأراد الإستيلاء عليه طمعًا ولفَّق التهم على النظاري وقتل محمود باشا قادته العسكريين الذين رفضوا الانصياع لأوامره, فحاصره لثمانية أشهر حتى توسط الأمير الإسماعيلي عبد الله الداعي بينهما، فتعهد محمود باشا بعدم التعرض لعلي بن عبد الرحمن النظاري , ولكنه أُغتيل فور دخوله على مخيم محمود باشا , في وقت كان يكره الإمام المطهر بن يحيى شرف الدين استهتار محمود باشا وعدم مراعاته للتوازن الدقيق للقوى في اليمن، وهو ما جعل اليمنيين يتناسون خلافاتهم ويتوحدون ضد الأتراك.
القبائل اليمنية تنكل بالغزاة
عندما تولى رضوان باشا أمور الإيالة، أخذ بعرض مساوئ سلفه محمود باشا على الباب العالي في إسطنبول، فبرر محمود باشا اخفاقاته بأن اليمن بلاد واسعة ولا يكفيها واحد، وأصر محمود باشا على موقفه حتى وافق الباب العالي وأرسلوا مراد باشا ليتولى تهامة وولوا رضوان باشا أمر المرتفعات. وقد قصد محمود باشا النكاية برضوان باشا بهذا التعيين، كون القبائل أشرس وأصعب مراًسا في المرتفعات الشمالية لليمن بالإضافة لكونها مقرًا للأئمة الزيدية تظاهر المطهر بن يحيى شرف الدين بموالاته لمراد باشا المسيطر على التهائم فتوقف الأخير عن إمداد رضوان باشا المسؤول عن المرتفعات، وتزايدت الخلافات بينهم لدهاء الإمام المطهر فعُزل رضوان باشا وعُين حسن باشا بديلًا عنه عام 1567.وانتهز المطهر الفرصة ليجتاح صنعاء وساندته قبائل الجوف البدوية وراسل المطهر أمير بعدان فهاجموا القوات العثمانية وحوصر مراد باشا في ذمار, وتمكن مراد باشا من الهرب وبقي معه خمسين من المشاة فاعترضته القبائل وجردته وعسكره من ثيابهم وقطعت رؤوسهم وأرسلتها إلى المطهر بن يحيى شرف الدين في صنعاء بنفس العام.
ثلاء عمران الحصن الأصعب
خاض الإمام المتوكل ووالده وإلى جانبهما قبائل اليمن في المناطق الزيدية معارك ضارية ضد الغزو العثماني, حيث تعرض العثمانيون لخسائر فادحة في 80 معركة في تعز وذمار وعمران وإب, توجت بمقتل مراد باشا أحد سلاطين الغزو العثماني التركي, قرب ذمار,ولكن كان الأتراك في أوج قوتهم ولم يكونوا على إستعداد لتقبل الهزيمة المهينة بسهولة فأرسلوا قوة جديدة بقيادة سنان باشا، قائد عثماني بارز من أصل ألباني، لإعادة السيطرة العثمانية على اليمن, وحينها عزل السلطان سليم الثاني اللالا مصطفى باشا لتقاعسه عن السفر إلى اليمن بنفسه وأمر باعدام عدد من أمراء السناجق في مصر وولى سنان باشا مقاليد الوزارة على أن يتوجه بكامل العسكر التركي في مصر إلى اليمن, حيث قدم سنان باشا من مصر ونزل مكة ومر بجيزان وزبيد وهي مناطق كانت لا زالت خاضعة للعثمانيين, فطرد أتباع الإمام المطهر من مدن عدن وتعز وإب , ثم حاصر شبام كوكبان لسبعة أشهر انتهت بتوقيع هدنة استمر العثمانيون بتعقب الإمام المطهر وأنصاره لا يسيطرون على قرية إلا وتعاود السابقة التمرد من جديد، ولاحظ الأتراك أن القبائل كانت تشعل النيران كلما انسحبت نحو الجبال وذلك لإعلام القبائل الأخرى أنهم لا زالوا أحياء ولم يستطع العثمانيون القضاء على الإمام المطهر بعد أن لاذ إلى حصن ثلاء وتمركز فيه.
.
مسجده الأثري
كانت فترة حكمه من( 674_697 هجرية) وخلالها هذه الفترة تم تشييد مسجد وقبة الإمام المطهر دروان – مدينة حجة, حيث تعد من بدائع الفن المعماري تم تشييدهما على منحدر صخري شديد الانحدار، وشيدت حامية البناء بأحجار صخرية كبيرة وبارتفاع كبير لتسند بناء المسجد والقبة وملحقاته، و يستند سور الجامع الغربي على هذه الحامية.
به تابوت من الخشب تغطي واجهاته وحدات زخرفية ونصوص كتابية تضمنت اسم وألقاب وفضائل صاحب التابوت، وتاريخ وفاته، وآيات قرآنية وأدعية، وتتوسط واجهات التابوت الأربع كتابات نصها:
(بسم الله الرحمن الرحيم هذا تابوت الإمام الكامل النبيل ذو الأخلاق الرصينة، والأعراف الزكية المؤثر الآخرة على الدنيا، والسالك فيها مسالك الأتقياء ما بات إلا قائماً ولا أصبح إلا صائماً طول العمر في طاعة الرحمن كثير البر والصلة للأرحام والأخوان الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحي بن المرتضى بن المطهر بن القاسم بن الإمام المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الإمام الناصر بن أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين, مذيلة بتاريخ ولادته ووفاته).
بعض من مؤلفاته:
(درة الغواص في أحكام الخواص)
(الرسالة المزلزلة لأعضاد المعتزلة -)
(المسائل الناجية -)
(الكواكب الدرية -) .
وفاته:
سنة 695هـ
المراجع التاريخيه:
-الاعلام للزركلي-
– تاريخ اليمن (فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن) المؤلف: القاضي الشيخ العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسعي (المتوفى: ١٣٩٧ هـ)
– مسجد وقبة الإمام المطهر جمال العمران وعبقرية الإنسان- صحيفة الثورة ١سبتمبر ٢٠٢٢
– حجة معالم واعلام المؤلف يحيى محمد جحاف ١٤٣٤هـ
ومصادر تاريخية كالشوكاني وغيره.