Herelllllan
herelllllan2

مآذن مدينة صنعاء .. صانعة نداء الإله الواحد

محمد الطويل

تحتفل اليوم معظم المدن العريقة في كل بلدان العالم باليوم العالمي للمدن ، والذي حددته الأمم المتحدة في الـ31 من اكتوبر من كل عام ، وفي يمننا الحبيب يمكننا أن نحتفي بمديتنا الأولى وحاضرتنا الأزلية صنعاء ، هذه المدينة المباركة التي أختطتها الروح النبوية ، لتعيش الإيمان الرباني وهي ترفع إلى السماء أكفها المتمثلة في صحون ومحاريب مساجدها ، وتصدح بذكر ربها من مآذنها الشامخة.

هذا الحضور الروحي يحتم علينا أن نتجول في أهم مشاهده ، ألا وهي مآذن جوامعها ومساجدها صانعة نداء الإله الواحد الأحد.

الدكتور علي سعيد سيف ، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة صنعاء ، أتحفنا بدراسة أثرية معمارية عن مآذن مدينة صنعاء القديمة حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري ، وقد أصدرت وزارة الثقافة هذه الدراسة في كتاب عام 2004م، بمناسبة اختيار مدينة صنعاء كعاصمة للثقافة العربية.

الكتاب قدم دراسة تفصيلية عن مآذن صنعاء مشتملة على وصفها وتاريخها وأشكالها المعمارية والعناصر الزخرفية ومواد البناء المستخدمة في تشييدها ، فإلى الدراسة:

أول مئذنة في صنعاء

يفتتح المؤلف دراسته بمآذن الجامع الكبير بإعتبارها أولى المآذن التي شيدت في صنعاء، ومازالت هاتان المئذنتان قائمتين منذ زمن بنائهما في بداية القرن السابع الهجري ، وتقع المئذنة الشرقية للجامع في الركن الجنوبي الشرقي من صحن المسجد وتبرز الى الصحن ، وتتكون من قاعدة مربعة طول ضلعها 5.75م وتبعد عن رواق المؤخرة بحوالي 5 م ، وبعد إنشاء المكتبة في عهد الإمام يحيى بن حميد الدين سنة 1355هـ ، أصبح جدار المئذنة الجنوبي جزءً من جدار المكتبة.

وابرز ما يميز هذه المئذنة المقرنصات التي تسند شرفتها ، وتتصف هذه المقرنصات بدقة صنعها وتناسقها وكونها مشغولة بخمس حطات (صفوف) تأخذ شكل أسنان المنشار المسننة نتيجة التلاعب بالآجر.

وتتوج المئذنة من الأعلى بقبة مستديرة الشكل تنتهي من أعلى بعمود حديدي في قمته جوزة (كره) .

أما المئذنة الغربية ، فتقع في المجنّبة الغربية للمسجد وتقطع صفوف المصلين ببروزها إلى المجنّبة ويسير جدار قاعدتها الغربي مع جدار المسجد الغربي ، وتتكون من قاعدة مربعة طول ضلعها 4.25م فتح فيها باب في الجهة الجنوبية وهي مبنية من الحجر حتى منتصفها ثم أكملت بالآجر(الياجور)، يقوم عليها بدن اسطواني الشكل ارتفاعه 8 م ، فُتح فيه فتحات صغيرة للإضاءة وينتهي هذا البدن بشرفة مضلعة 12 ضلعا مقامة على كوابيك خشبية ، لها سياج يرتفع متراَ، يقوم عليه رقبة مسدّسة الاضلاع فتح فيها باب المؤذن وينتهي البدن بقبة نصف كروية مدبّبة قليلا.

مئذنة مسجد المدرسة تحتفظ بمعالمها

وبعد مآذن الجامع الكبير التي بنيت في القرن السابع الهجري ينتقل المؤلف إلى المآذن التي تم عمارتها في القرن العاشر الهجري بادئاً بمئذنة مسجد المدرسة الذي يقع شرقي مدينة صنعاء غربي الطريق النافذة من باب شعوب إلى ميدان اللقيه ، وهذه المئذنة تحتفظ بمعالمها منذ بنائها؛ فلم يجر عليها أي تغيرات جدية الّلهّم إلا ما نهج عليه اليمانيون من حبّ التجصيص(القص) الذي غطى على أغلب معالمها الفنية.

مئذنة مسجد عقيل

وفي النصف الثاني من القرن العاشر الهجري تذكر الدراسة أنه تم عمارة مئذنة مسجد عقيل الذي يقع شمال سوق الملح في وسط صنعاء وقد عمّرها الأمير إسكندر بن حسام الكردي سنة 967هـ.

أجمل مآذن مدينة صنعاء

ويأتي بعدها ، بناء مئذنة مسجد الزمر الذي يقع في الجهة الشمالية بالقرب من باب شعوب ، وتعتبر هذه المئذنة من أجمل مآذن صنعاء ، فلقد أبدع المعمار في نسب التوازن بين أجزائها والتنسيق التام في تفاصيلها ، حيث استطاع ان يوجد التحويل من مربع القاعدة إلى مثمن ثم إلى 16 ضلعاَ، وبالتالي تُشاهد خطوط الأضلاع وهي متجهة إلى الشرفة وكأنها الشعاع ثم الجوسق الذي تتجه خطوطه لكي تخرج من الأعلى بورقة ثلاثية متجهة برأسها إلى السماء وكأنها أكف الضراعة فاردة أصابعها.

مئذنة مسجد القبة المرادية

وفي سنة 984هـ يذكر المؤلف أن الوزير مراد باشا قام بعمارة مئذنة مسجد القبة المرادية في قصر صنعاء( قصر السلاح) أعلى المدينة في الجهة الشرقية.

سلم مئذنة مسجد الفليحي من أندر السلالم

وعلى نفس الطراز المعماري لمئذنة القبة المرادية ، تم عمارة مئذنة مسجد الفليحي بأمر من الوزير حسن باشا في سنة 994هـ، والمئذنة مبنية من الآجر(الياجور) ومغطاة بالجص وتنفرد المئذنة بسلّم يعتبر من أندر السلالم في المآذن عامة ، إذ قام المعمار بحسب المؤلف بنحت الدرج مع حجرة القطب من حجرة واحدة بحيث كونت تلك الأحجار بتتابعها الأدنى فالأعلى قطب المئذنة وسلّماَ اصبح على شكل مروحي وهذا السلّم يترك فسحة ممر بوسعة 9سم ويبلغ عدد درجاتها 78 درجة.

مئذنة مسجد فروة بن مسيك

وفي الإطار المعماري أيضا لبناء المآذن في المرادية والفليحي تم عمارة مئذنة مسجد فروة بن مسيك في سنة 997هـ ويقع مسجدها خارج صنعاء القديمة في الجهة الشمالية بالقرب من الجبّانة ( مصلى العيدين).

خمس مآذن في القرن الحادي عشر

وفي القرن الحادي عشر الهجري يشير المؤلف إلى أنه تم عمارة خمس مآذن في مدينة صنعاء القديمة ، أولها مئذنة صلاح الدين الذي يقع مسجدها في علوّ صنعاء في الجهة الشرقية بالقرب من ميدان اللقيه ، وبناه الإمام صلاح الدين محمد بن الإمام مهدي علي، أما المئذنة فيرجع عمارتها إلى 1003هـ ، ويزين الجزء العلوي منها زخرفة كتابية تتكون من ثلاثة أشرطة منّفذة بالخط النسخي نصها:”بسم الله الرحمن الرحيم ومن يتق الله يجعل له مخرجاَ ويرزقه من حيث لا يحتسب” ( الطلاق:3،2)، ” لا إله إلا الله محمد رسول الله”.

وتّتوج المئذنة من أعلى بقبة مضلعة ، ثم يزينها من أعلى ميل معدني بشكل تمثالاَ لطائر من البرونز يشبه الحمام ويتجه برأسه على الكعبة المشرفة، ويبلغ ارتفاع هذه المئذنة 46.55م وهي أعلى مئذنة في صنعاء.

مئذنة القبة البكيرية

وبفارق عامين أي في سنة (1005هـ) تم عمارة مئذنة القبة البكيرية ، عمّرها الوزير حسن باشا، ويقع مسجدها في الجهة الشرقية من صنعاء بالقرب من قصرالسلاح ، وفي عام 1029هـ قام الوزير محمد باشا ببناء مئذنة مسجد قبة طلحة ، وتتوج المئذنة من أعلى بقبة مضلعة ذات 16 أخدوداَ ينتهي من أعلى بميل معدني عبارة عن ثلاث جوزات (كرات) تنتهي بحلقة، ويصل ارتفاع المئذنة الكلي إلى 24.10م، ولها قطب في الوسط اسطواني الشكل يحمل الدرج بواسطة عقود تصل بينه وبين الجدار وتترك مجالاَ سعته 65سم للمرور، ويصل عدد درجاتها إلى 70درجة بمتوسط ارتفاع 30سم.

ومن مآذن القرن الحادي عشر الهجري المذكورة في الكتاب مئذنة مسجد العلمي وسار المعمار فيها على غرار بناء المآذن في صنعاء حيث بني الجزء السفلي منها بالحجارة ثم أكمل بالآجر .

مئذنة واحدة بين مسجدين

ويختم المؤلف مآذن القرن الحادي عشر الهجري بمئذنة مسجدي المذهب وجناح، وتنفرد هذه المئذنة عن جميع مآذن فترتها أنها تقع بين مسجدين وتربط بينهما ويرى المؤلف أن المئذنة لم تكن لغرض الأذان إذ أنه إذا أُذن من داخلها لم يتعد صوت المؤذن بضعة أمتار؛لأن الجدار يحجب الصوت والنافذة لا تسمح بخروج الصوت كاملاَ، مشيراَ على أن هذه المئذنة لم تكن إلا علامة دالة على وجود المسجدين.

وفيما يتعلق بمآذن مدينة صنعاء التي تم عمارتها في القرن الثاني عشر الهجري؛ فقد تناول المؤلف في كتابه، أربعة مآذن ، أولهما مئذنة مسجد موسى وقد عمّرها الإمام المنصور بالله الحسين بن المتوكل في سنة 1160هـ.

مئذنة الأبهر الرشاقة والجمال

ومن المآذن التي تم عمارتها في القرن الثاني عشر الهجري مئذنة مسجد الأبهر وتعتبر من أجمل مآذن صنعاء وإن خلت من الزخرفة إذ يُشاهد فيها التناسق التام بين أجزائها المعمارية بالإضافة إلى الرشاقة والجمال الذي تتمتع به.

وفي سنة 1164هـ قام الإمام المهدي لدين الله العباس بن المنصور حسين بعمارة مئذنة مسجد قبة المهدي عباس وتتشابه في شكلها العام مع مئذنة قبة البكيرية.

ويختم المؤلف دراسته المعمارية ، بمئذنة مسجد خضير وتتطابق عمارتها مع مئذنة مسجد قبة المهدي عباس.

العناصر المعمارية للمئذنة

وفيما يتعلق بالعناصر المعمارية للمئذنة يشير المؤلف إلى أن جسم المئذنة يتكون من العناصر التالية: القاعدة، البدن، المقرنص، الشرفة، الظلة، القبة، القطب، السلّم، الميل.

والقاعدة هي البناء الذي يقوم عليه جسم المئذنة وتستخدم فيه الأحجار السوداء( الحبش).

وبالنسبة للبدن فإنها ذلك الإمتداد الطويل في جسم المئذنة ويتخلله نوافذ صغيرة لغرض الإضاءة والتهوية.

أما الجوسق فهو إمتداد طبيعي للبدن وفيه يفتح باب المؤذن ، ويشير المقرنص إلى الحطات التي تقوم عليها الشرفة ويتخذ شكل المثلّثات المشكلة بواسطة الآجر، أما الحوض أو الشرفة فهو ذلك البروز الناتج عن تعدد حطات المقرنصات ويكون حوضاَ لكي يستطيع المؤذن الوقوف فيه ويسمى بصنعاء الدائر.

وتشكل القبة السقف للمئذنة وهي إما نصف كروية أو مضلعة وفيما يخص الميل فهو عمود من نحاس أو حديد يقوم على القبة ويتكون من ثلاث جوزات (كرات) يعلوها هلال وبعضها يتخذ شكل طيور ويتجه الهلال والطير إلى الكعبة المشرفة.

أما القطب فهو عماد المئذنة تتمحور حوله وتقوم عليه ، وبالنسبة للسلّم فهو الدرج التي يتم بواسطتها الانتقال من الأدنى إلى الأعلى والعكس.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com