عدن تختنق تحت الاحتلال.. انهيار اقتصادي شامل وصراعات موانئ وأزمات بلا نهاية
يمانيون | تقرير
تشهد مدينة عدن وسائر المحافظات الواقعة تحت الاحتلال وضعًا اقتصاديًا وخدميًا يلامس حافة الانهيار الشامل، في ظل عجز تام لـ”حكومة الفنادق”، وتفاقم صراعات المرتزقة ورعاتهم الإقليميين.. من انهيار العملة المحلية إلى التسابق المحموم على تدمير الموانئ، وصولًا إلى أزمة غاز حادة، تتسارع وتيرة الانهيار وسط صمت مطبق وعجز إداري كامل.
انهيار متسارع للعملة.. الدولار عند 2716 ريالًا
وفي تطوّر هو الأخطر منذ بداية العدوان، سجّل الريال اليمني في مناطق سيطرة حكومة المرتزقة تدهورًا حادًا أمام العملات الأجنبية.. فقد بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي، صباح الأربعاء، 2716 ريالًا للبيع و2682 ريالًا للشراء، فيما وصل سعر صرف الريال السعودي إلى 715 ريالًا.. هذه الأرقام، التي تُعد الأعلى في تاريخ البلاد، تنذر بكارثة اقتصادية شاملة، وتضع المواطن أمام جحيم معيشي لا يرحم.
وبحسب مصادر مصرفية، فإن الفوضى في السوق المالية سببها غياب أي سلطة نقدية حقيقية، في ظل حكومة فقدت أدواتها بالكامل، تاركة السوق رهينة للمضاربات والاحتكار وغياب الرقابة، ما فاقم من الانهيار وأدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، مقابل تآكل شامل للرواتب والقوة الشرائية.
تفكك اقتصادي.. وتحول الحكومة إلى واجهة احتلال
يرى مراقبون اقتصاديون أن ما يحدث في عدن لا يُمكن تفسيره كأزمة مؤقتة أو اختلال عرضي، بل هو نتيجة مباشرة لتفكك المنظومة المالية لحكومة المرتزقة، التي تحوّلت إلى غطاء سياسي لقرارات تصدر من الرياض وأبو ظبي.
فلم يعد للبنك المركزي في عدن من “المركزي” إلا الاسم، بينما تُدار الموارد المالية من الخارج، وتُنهب الثروات دون حسيب أو رقيب.
هذه الحكومة – بحسب المحللين – فشلت حتى في الاعتراف بالأزمة، ناهيك عن معالجتها، وتكتفي بتصريحات إنشائية، في وقت تشتد فيه معاناة المواطنين الذين يُتركون لمصيرهم في مواجهة الجوع والمرض والفقر.
ميناء عدن في مهب صراع المرتزقة
وفي ظل الانهيار الاقتصادي، تفجّر مؤخرًا صراع جديد بين أدوات الاحتلال حول السيطرة على الموانئ، وفي مقدمتها ميناء عدن.. فقد أعلنت ما تسمى “الغرفة التجارية والصناعية” في مدينة تعز عن الاستغناء عن ميناء عدن، والتوجه نحو استخدام خط ملاحي جديد عبر ميناء المخا، الخاضع لسيطرة المرتزق طارق صالح، لنقل البضائع من وإلى اليمن.
ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها تصعيدًا سعوديًا مباشرًا لتهميش ميناء عدن، الذي تسيطر عليه مليشيات الانتقالي المدعومة إماراتيًا، ما يكشف عن عمق التناحر بين فصائل المرتزقة من جهة، وبين داعميهم الإقليميين من جهة أخرى.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تجفيف إيرادات ميناء عدن، وتقليص نشاطه التجاري بشكل كبير، ما يفاقم الأزمة المالية في المدينة، ويضيف ضغوطًا جديدة على حياة المواطنين، الذين سيتحملون كلفة هذه الصراعات التي تدور فوق أنقاض مؤسسات الدولة.
أزمة غاز حادة تضاعف المعاناة
بالتزامن مع انهيار العملة وصراع الموانئ، شهدت مدينة عدن أزمة حادة في توفر الغاز المنزلي، حيث عادت طوابير المواطنين أمام محطات التوزيع، بعد أيام قليلة من توفر مؤقت للغاز، لتتكرر مشاهد المعاناة في ظل حرارة شديدة وانقطاع كهرباء يتجاوز 17 ساعة في اليوم الواحد.
وصل سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء إلى نحو 13 ألف ريال، وسط غياب تام لأي رقابة أو إجراءات حكومية، في وقت تُشير فيه تقارير إلى استمرار تهريب كميات كبيرة من الغاز إلى دول القرن الأفريقي، ما يعكس الفوضى الإدارية وضعف سلطة الدولة.
انهيار مركب وفقدان للسيادة
تتراكم المؤشرات يومًا بعد يوم لتكشف أن ما يجري في عدن وسائر المناطق المحتلة هو انهيار مركب، ناتج عن احتلال اقتصادي وسياسي كامل، تُدار فيه المؤسسات المحلية بأوامر خارجية، وتُنهب الموارد، ويُستبعد المواطن من كل الاعتبارات.
فالعملة تنهار، والموانئ تُدمر، والخدمات تتآكل، والأسواق تعيش على وقع شبح المجاعة، بينما تغيب الدولة وتحضر فقط في البيانات واللافتات.. وتتحوّل عدن، رغم ما تملكه من موقع وثروات، إلى نموذج للفشل المُدار، في وقت تُظهر فيه العاصمة صنعاء ومناطق المجلس السياسي الأعلى استقرارًا نسبيًا في سعر الصرف، وتماسكًا إداريًا رغم الحصار.
عدن في قلب العاصفة.. والمواطن هو الضحية
ما يحدث في عدن ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة لغياب السيادة، وارتهان القرار، وتفكك المؤسسات، وصراعات أدوات الاحتلال.. والمواطن وحده يدفع الثمن، في كل أزمة مالية أو خدمية أو صراع نفوذ.
وفي ظل استمرار هذا المسار، فإن الأسوأ قادم ما لم تُستعاد السيادة، ويُعاد بناء الدولة على أسس وطنية مستقلة، تنحاز للشعب لا للوصاية، وتحفظ الثروات بدلًا من تسليمها للمحتل والمضارب.