Herelllllan
herelllllan2

لماذا سارع نِتنياهو بالرّد على خطاب السيّد نصر الله والتهديد بتدمير “حزب الله” ولبنان على غير عادته؟ وما الجديد الذي أزعج الإسرائيليين وورد في هذا الخِطاب تحديدًا؟

يمانيون – تقارير – عبدالباري عطوان

لم يعُد الرأي العام العربي يتسمّر في مُعظمه أمام شاشات التّلفزة للاستماع إلى خطاب أيّ زعيم عربي مُنذ رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، قبل أربعين عامًا تقريبًا (أيلول سبتمبر عام 1970)، حتى جاء السيّد حسن نصر الله، زعيم المُقاومة الإسلاميّة في لبنان، ليكسِر هذه القاعدة، ليس لأنّ الرجل يملك ملَكَة الخِطابة، ويُعزّز خُطبه السلسلة بالمعلومات والتّحليل الدّقيق الذي يعتمد على الحقائق، وإنّما أيضًا لأنّه يتمتّع بمصداقيّة وجرأة عالية، وتركز بوصلته على القضيّة العربيّة المركزيّة وهي تحرير الأرض والمقدسات في فلسطين المحتلّة، ومُواجهة مشاريع الهيمنة والإذلال والتفتيت الأمريكيّة.

مُقابلة السيّد نصر الله الأخيرة مع تلفزيون “المنار” التابع للحزب مساء أمس الأوّل (الجمعة) كانت موضِع اهتمام الملايين، مُوالين كانوا أو مُعارضين، وحتى الإسرائيليين وقيادتهم بشقّيها السياسي والعسكري، الأمر الذي دفع الرقابة الأمنيّة الإسرائيليّة إلى منع الصحف ومحطات التلفزة من نشر، أو بث، أيُ تحليل لما ورد فيها، لأنّ التحليلات، ومن قبل خُبراء عسكريين أو جنرالات سابقين، ترفع منسوب الخوف والتوجٍس لدى الرأي العام من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

أكثر ما أرعب الإسرائيليين في هذه المُقابلة، وحسب مُتابعتنا لتغطية ما تيسّر من أجهزة الإعلام الإسرائيليّة، تلويح السيّد نصر الله بخريطة لفلسطين المحتلّة، والساحل الغربي المتوسّطي، حيث الكثافة السكانيّة، والمصالح الحيويّة، مُحدّدًا بنك الأهداف الذي سيكون مُستهدفًا في حال اندلاع الحرب، فقد تصدّرت هذه الصّورة التي جاءت ردًّا على نِتنياهو بالأسلوب نفسه، الصّفحات الأولى لجميع الصّحف ونشرات أخبار في محطّات التلفزة الإسرائيليّة.

***

صحيح أنّ السيد نصر الله تحدّث عن القدرات الصاروخيّة العالية عددًا ودقّةً، والتقدّم الكبير الذي حقّقته قوات حزب الله البريّة والخبرات التي اكتسبتها جرّاء الحرب في سورية، ولكن النّقطة الأهم في هذه المُقابلة قوله إنّ الحزب لا يحتاج إلى قنابل نوويّة أو كيماويّة، يكفي أن يُصيب صاروخ واحد مخازن الأمونيا الإسرائيليّة السامّة في ميناء حيفا لتدمير إسرائيل، وقتل عشرات وربّما مِئات الآلاف من مُواطنيها.

وقْع هذه المُقابلة القويّ والرعب الذي أحدثته في نفوس الإسرائيليين هُما اللذان دفعا بنيامين نِتنياهو إلى التخلّي عن حالة التجاهل لمثل هذه المُقابلات والخِطابات التي كان يتمسّك فيها في السابق كنوعٍ من اللامُبالاة والاستعلاء، وإطلاق تصريحات ناريّة يُهدّد فيها بتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله ولبنان “إذا ما أقدم حزب الله على أيّ “حماقة” وهاجم إسرائيل”.

فعندما يُهدّد السيد نصر الله بإعادة إسرائيل إلى العصر الحجري، رغم أنها لم تعش هذه الفترة لعمرها القصير، لأنّها لم تكن موجودة أصلًا، ولا يوجد لها أيّ إرث حضاري في فلسطين والمنطقة، فإنّه يرد على نِتنياهو والقادة الإسرائيليين بالأسلوب نفسه، ويترك لهم العودة إلى الوراء وتخيّل أنفسهم، مجرّد تخيّل، إنّهم سيعيشون في هذا العصر الذي لا يعرفونه، ولا بأس أن يجرّبوا الحياة في ظلّه، هذا إذا بقوا ودولتهم على قيد الحياة، فالرجل عاقد العزم على الصّلاة في الأقصى، ويتطلّع إلى أن يؤم الملايين، وهذه الأمنية المشروعة لا يُمكن أن تُحقّق إلا بعد التحرير الكامل للأراضي المحتلة، وهذا أمر غير مُستبعد، واحتمال وارد، وأذكّر أنً جون سمبسون، كبير المحلّلين السياسيين في شبكة “بي بي سي” ختم سلسلة تقارير أعدّها بمُناسبة نصف قرن على قيام دولة إسرائيل مُشكّكًا ومُتسائلًا “هل ستحتفل هذه الدولة بمئة عام على قيامها” في ظِل انقساماتها وتغيّر الظّروف من حولها؟

لا نعتقد أنّ تهديدات نِتنياهو لحزب الله ولبنان بالدمار الشامل ستُعطي أوكلها، وتُرهب اللبنانيين بالتّالي، لأن الجيش الإسرائيلي هُزِم ثلاث مرّات في لبنان على أيدي رجال المُقاومة اللبنانيّة والفِلسطينيّة، بل على العكس أعطت نتائج عكسيّة، وارتدّت سلبًا على الإسرائيليين أنفسهم.

السيّد نصر الله لا يُريد الحرب، ولا نعتقد أنّ نِتنياهو يُريدها أيضًا، ولكنّها قادمة لا محالة، والسؤال الأهم هو عمّا إذا كانت الدولة العبريّة تستطيع أن تعيش بشكلٍ طبيعي، وتنعم بالاستقرار والأمن وسط غابة من مئات الآلاف من الصواريخ تُحيط بها من كُل جانب في وقتٍ لم تعد التكنولوجيا الأمريكيّة وجيشها الذي لا يُقهر بات غير قادر على حمايتها بالصّورة التي كان عليها الحال في الماضي القريب.

نِتنياهو لم يجد ما يتباهى به في تصريحاته التي حاول فيها تبديد قلق مُواطنيه من خطاب السيّد نصر الله غير الحديث عن تدمير سبعة أنفاق حفَرها الحزب تحت الحدود اللبنانيّة الفِلسطينيّة قبل عُقود في أيّام معدودة، ونسِي وهو الذي يدّعي الدهاء والذكاء، أن هذه الأنفاق سلاح قديم تجاوزته الصواريخ الدقيقة، والطائرات المُسيّرة المُلغّمة، والتكنولوجيا الحديثة، تمامًا مثلما تجاوزت التفوّق الجويّ الإسرائيليّ الذي كان حاسمًا في الحُروب السابقة، وضِد أنظمة وجيوش عربيّة فاسدة وقيادتها مُختَرقة.

يكفي الإشارة إلى حالة الرعب التي يعيشها نِتنياهو من جرّاء تهديد حركتيّ حماس والجهاد الإسلامي بالانتقام للشهيد محمود الأدهم الذي سقط برصاصةٍ إسرائيليّةٍ قُرب الحُدود شماليّ القِطاع، الأمر الذي دفع هذا النّتنياهو المُتغَطرس إلى الاعتذار، والتّأكيد أنّ هذه لجريمة لم تكُن مقصودةً، ووقعت بطريقِ الخطأ، واستِجداء وساطة مصريّة سريعة لمنع أيّ ردٍّ انتقاميّ.

***

متى كان نِتنياهو يعرف شيئًا اسمه الاعتذار؟ ومتى كان يتحدّث عن قتل عن طريق الخطأ؟ ومتى كان يستجدي الوساطات لتجنّب الرّد المُدمّر بصواريخ المُقاومة انطلاقًا من قِطاع غزّة المُحاصر المُجوّع؟

ثقافة الثّقة بالنّفس النّابعة عن الإيمان والاعتماد على الرجال في صُفوف قوّاته، التي يتحلّى بها السيّد نصر الله، وتظهر جليًّا في خِطاباته ومُقابلاته، أصبحت أكثر ما يُزعج الإسرائيليين ويقض مضاجعهم، وباتت ثقةً عابرةً للحُدود، وتترسّخ في لبنان والعراق وسورية وقِطاع غزّة حيث تتواجد توائم المُقاومة اللبنانيّة بقُوّةٍ واقتدار، تمامًا مِثل ثقافة المُقاومة التي تعود وتترسّخ مُجدّدًا وتتعمّق جُذورها على أكثر من جبهة، وتُشكّل مُعادلات ردع غير مَسبوقة.

الزمن يتغيّر، وإسرائيل هي التي باتت تخشى الحُروب وترتعد من مُجرّد ذكرها، وسُبحان مُغيّر الأحوال.. الذي يُمهِل ولا يُهمِل.. والأيّام بيننا.

(رأي اليوم)

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com