في سماءٍ لم تعد آمنة للطيران الأمريكي… اليمن يكتب تعريفًا جديدًا للتفوق الجوي
يمانيون | تحليل
في عالمٍ كانت تُهيمن فيه الطائرات الأمريكية المسيّرة على سماء الدول المستضعفة دون رقيب، جاء اليمن ليقلب المعادلة، ويفرض معادلة الردع من الأرض إلى الجو، معلنًا – بصواريخ أرض-جو محلية الصنع – أن السماء لم تعد مجالًا أمريكيًا خالصًا، وأن “التفوق الجوي” لم يعد حكرًا على واشنطن وحلفائها.
وقد تجسدت هذه المعادلة الجديدة في سلسلة عمليات دفاعية نوعية، تمكنت من خلالها الدفاعات الجوية اليمنية من إسقاط 25 طائرة أمريكية من طراز MQ-9 “ريبر” خلال أقل من عامين، وهو الطراز الذي كانت تُروّج له واشنطن باعتباره سلاح المستقبل وأداة السيطرة الكاملة على أجواء المعارك. هذا السقوط المتتالي، لم يكن مجرد خسارة تقنية أو مالية، بل مثل انهيارًا مدويًا لصورة الردع العسكري الأمريكي، وكشف حدود التكنولوجيا الغربية أمام الإرادة والابتكار الوطني.
اليمن يحوّل “الريبر” إلى رماد.. والسماء إلى فخٍّ مفتوح
وما يؤكد أن ما جرى ليس صدفة عسكرية أو حظًا تقنيًا، فإن عمليات إسقاط هذه الطائرات لم تتم في أماكن مهجورة أو ظروف عشوائية؛ بل جاءت ضمن خطط واضحة وبأساليب رصد دقيقة، تدلّ على تطور استخباراتي وتقني في منظومات الرادار اليمنية. وكما تحوّلت الأرض إلى مقبرة للدبابات الأمريكية، تحوّلت السماء اليمنية إلى مصيدة تحرق “الشبح الأمريكي” من دون رحمة.
ولم تكن هذه الانتصارات إلا ثمرة تراكمات متعددة لجهود واعية ومنهجية، تؤكد حقيقة واضحة: لا تفوق جوي بدون سيادة أرضية، ولا سماء آمنة لطيران المعتدين حينما تكون الإرادة حاضرة والقرار وطنيًا. فكل طائرة MQ-9 كانت تسقط، لم تكن مجرّد ضربة تقنية، بل رسالة استراتيجية تُعيد رسم خرائط الهيمنة.
ضربة لصورة الردع الأمريكي.. وأزمة في البنتاغون
ولم يكن وقع هذه الضربات خفيًا على مراكز القرار في واشنطن، إذ اضطرت المؤسسة العسكرية الأمريكية للاعتراف بها بشكل غير مباشر. فقد كشفت مجلة “ناشيونال إنترست” أن وزارة الدفاع بدأت بالفعل تطوير طائرة جديدة لتحلّ محل MQ-9، بسبب فشلها في الصمود أمام الهجمات اليمنية.
وقد رافق هذا الإقرار تراجع واضح في صورة الطائرة الدعائية، حيث أقرت المجلة بأن هذه الطائرة لم تعد “الوحش” الذي كانت تُروّج له واشنطن، مشيرةً إلى أن الساحة اليمنية أصبحت المركز العالمي لسقوطها المتكرر.
إنها ليست مجرد هزيمة عسكرية، بل انهيار لمشروع صناعي عسكري ضخم رُصدت له مليارات الدولارات.. فبحسب وثائق موازنات الدفاع الأمريكية، طلب البنتاغون 22 طائرة MQ-9 خلال ثلاث سنوات، بتكلفة تجاوزت ملياري دولار، ليتم تدميرها بصواريخ يمنية، بُنيت وسط الحصار، وتحت القصف، وفي قلب المعركة.
من إسقاط السلاح إلى إسقاط العقيدة العسكرية
وما يعزز من حجم هذا التحول النوعي في المعادلة، هو السياق الزمني والتكتيكي لتلك الضربات. فمنذ جولة التصعيد الأمريكي الأخيرة على اليمن بقيادة إدارة ترامب، بدا واضحًا أن الطيران الأمريكي لم يعد يحلّق بأمان فوق الأجواء اليمنية. فقد سُجل إسقاط سبع طائرات ريبر خلال ستة أسابيع فقط، في ضربة لوجستية ومعنوية كبيرة.
وحتى المسؤولون العسكريون الأمريكيون لم يستطيعوا التهرب من نتائج هذه الضربات، حيث أقروا بأن الحملة الجوية على اليمن فشلت جزئيًا بسبب هذه الخسائر. فـ”الذراع الطويلة للقتل عن بعد” – كما كان يُوصف هذا الطراز – تحطّمت على أرضٍ لم تكن تملك قبل سنوات أي منظومات رادار متطورة.. إنها لحظة سقوط العقيدة العسكرية الأمريكية أمام معادلة الإرادة اليمنية.
واشنطن في دائرة الإنكار… واليمن في دائرة الإنجاز
وأمام هذه الوقائع، تواصل واشنطن تمترسها في دائرة الإنكار. فبينما تعلن القوات المسلحة اليمنية إسقاط طائرة جديدة من طراز MQ-9، تلتزم المؤسسات الأمريكية الصمت، ويتجاهل الإعلام الأمريكي نشر الخبر، وكأن ذلك سيغير من الحقائق شيئًا.
لكن على الأرض، لم تعد طائرات الريبر تخيف أحدًا في اليمن، بل تحوّلت إلى “صندوق صيد” يفتح شهية الدفاعات الجوية، لتُراكم الخبرة، وتُوسع المدى، وتبني الثقة بالنصر القادم.. وأمام هذا الانكشاف الأمريكي، لم يعد السؤال: هل ستُسقط طائرة أمريكية جديدة؟ بل: متى، وكيف، وبأي منظومة جديدة؟
اليمن يُعيد تعريف “التفوق الجوي”
ومع كل تطور ميداني، يتأكد أن مفهوم “التفوق الجوي” لم يعد مرادفًا للتكنولوجيا الغربية والطائرات الشبحية. فاليمن، من وسط الحصار، ومن تحت القصف، أعاد تعريف المعادلة: التفوق الجوي ليس امتلاكًا للطائرات فقط، بل قدرة على إسقاطها. ليس تكديسًا للسلاح، بل إرادة لمواجهته وإسقاطه بجرأة وثبات.
وفي هذا السياق، باتت السماء نفسها جبهة مقاومة. الرادارات تنطق بلهجة الثورة، والصواريخ تنطلق وهي تحمل بصمة الأرض والإنسان، وتعود بإذلال العدوان من الجو إلى الأرض.. ومع كل طائرة تسقط، يرتفع سقف التحدي، ويتسع أفق الصراع، وتكبر ثقة الشعب اليمني بقدرته على حماية سمائه، ودحر أي معتدٍ تسوّل له نفسه أن يحلّق فوق أرض الإيمان.